عندما بدأت تتوارد الأخبار عن وصول فيروس كورونا إلى مناطق الشمال في مقاطعة لومبارديّا، حيث تعيش هذه السيدة اللبنانية، لم تتخذ الحكومة الإجراءات المشددة سريعاً. عملت بداية على عزل مناطق الوباء وفرضت حجراً منزلياً على السكان، لكن لم يلتزم معظم المواطنين. علماً أن الفيروس كان قد انتشر قبل شهر من اكتشاف أول حالة في نهاية شهر شباط. وكان المواطنون الذين يعانون من الزكام والسعال والحرارة المرتفعة يعتقدون أنهم مصابين بنزلة برد عادية. ولم يتم تشخيص الحالات ولم تعمد المستشفيات إلى إجراء فحوص كورونا. لاحقاً وبعد تفشي الوباء، بدأت الإجراءات المشددة، لكن بعد فوات الأوان، كما قالت.
الفيروس يتستوطن المنزل
لا تعلم هذه السيدة من نقل العدوى إلى المنزل: هي أو ابنها أم زوجها. فابنها يرتاد حضانة الأطفال وظهرت عليه العوارض، ولم يشخصه طبيب الأطفال في البداية إلا على أنه مصاب بالزكام. وهي استمرت بالذهاب إلى عملها كالمعتاد وإلى حين إعلان الحكومة إجراءات حجر جميع السكان وإقفال المؤسسات. اتخذت الشركة إجراءات التعقيم، لكن لم يكن هلع كورونا قد استوطن النفوس كما حصل بعد أسبوعين على اكتشاف أول إصابة في 20 شباط.
أما زوجها الذي ظهرت عليه أعراض تعب، لم يكترث للأمر بداية. وعندما تفاقمت الأعراض لم يتمكن من الذهاب إلى الطبيب، لأنه وفق الإجراءات الجديدة كان عليه الاتصال فحسب، وفعل أكثر من مرة، ولم ينجح في التواصل مع الطبيب، الذي مات بعد أيام بكورونا.
تفاقم وضع زوجها وبات تعباً ويعاني من الحرارة والسعال وضيق النفس. أما هي فكانت عوارضها طفيفة، إذا لم تشعر بأكثر من ضيق نفس بسيط وحرارة لم تستمر لأكثر من يوم. أعراض حتى أبسط من الزكام العادي، كما تقول.
بعدما شخص طبيب الأطفال حالة ابنها، طلب منهم عدم مبارحة المنزل والبقاء على تواصل معه في حال الطوارئ. لكن لم تجر لهم الفحوص بسبب النقص الحاد بها، ولأن إيطاليا قصرت الفحوص على من يدخل المستشفيات.
ذاكرة الحرب
هي تجربة ليست بسيطة كما تقول. فعندما تمر سيارات الإسعاف بجانب بيتها، وبشكل مستمر طوال اليوم، تشعر بالهلع، وتقول في سرها ربما ينقلون ميتاً، أو أقله ربما هناك من سيموت بكورونا.
تسمع يومياً عن فتك كورونا بدور العجزة وموت الكثير منهم، الذين لا يعرف بهم أحد، وربما لا يسجّلون من ضمن أعداد الوفيات اليومية، التي تقتصر على من أجري لهم الفحص وتثبتت إصابته بكورونا. تطرد هذه الأفكار وتواسي زوجها الذي مر بأيام صعبة لم يبارح خلالها السرير حتى.
تحسنت حالة زوجها، وبات بصحة جيدة وعاد ليزاول عمله عبر الفضاء الإلكتروني. وتتذكر هذه التجربة وتقول ضاحكة: الإيطاليون لم يعانوا من ويلات الحرب مثلنا. لم يعيشوا في الملاجئ ولم يعتادوا على البقاء في المنزل. يريدون زيارة الأصدقاء والاستمرار في شرب القهوة في المقاهي. حتى أن بعضهم راح يرتاد الأكشاك في محطات الوقود لشرب القهوة بعدما أقفلت المقاهي. وهذا ساعد في انتشار الوباء والفتك بالشعب الإيطالي.
رغم كل الأخطاء التي ارتكبتها الدولة لمواجهة الوباء، كما تقول ثمة إيجابيات كثيرة تحتذى. الشركات عمدت إلى تغيير سلسلة انتاجها وانتقلت إلى تصنيع المستلزمات الطبية لمواجهة الأزمة. شركات أخرى عدلت عن منح الموظفين هدايا الأعياد وتبرعت بها لمن هم بحاجة ماسة إليها. وأخرى أيضاً تبرعت لتأمين أجهزة تنفس اصطناعي في ظل ارتفاع عدد المصابين في غرف العناية الفائقة. والبلديات عمدت على تأمين حاجيات السكان المحجورين وخصوصاً لكبار السن والمصابون بالوباء.
“العودة” أكبر خطأ
وعن مطالبة بعض اللبنانيين في إيطاليا العودة إلى لبنان، تقول إنه أكبر خطأ، يرتكب. أعرف من أهلي في لبنان كيف يكون هلعهم على الأولاد. حتى أنهم كانوا خائفين أكثر مني، أنا المصابة بكورونا في حجر منزلي وفي غربة عنهم. لكن علينا أن لا ننسى أن تفشي الوباء في الجنوب الإيطالي كان بسبب عودة الطلاب والموظفين من الشمال غداة إعلان حالة الطوارئ، فنقلوا العدوى إلى أهلهم.
المشكلة في هذا الفيروس أن أشخاص كثر يصابون به ولا تظهر عليهم أي أعراض، أو أعراض خفيفة مثلما حصل معي. فهؤلاء ينقلون العدوى لكبار السن والمرضى فيفتك الفيروس بهم. فلو تحلى الإيطاليون بالمسؤولية لما انتقل الوباء إلى الجنوب. لذا تسأل، من يضمن عدم اتنقل العدوى من راكب مصاب ولا تظهر عليه الأعراض إلى كل ركاب الطائرة التي ستقل الطلاب إلى لبنان؟
وتقترح أنه في حال كان بعض الطلاب يعانون من ضائقة مالية، فالأفضل إجبار المصارف في لبنان على تحويل الأموال، أو حتى تكفل السفارة بهم لحين الانتهاء من الأزمة. خصوصاً أن الجامعات هنا ما زالت مستمرة عبر الإنترنت، وستجري الامتحانات عبر تقنية سكايب وغيرها، وسيتخرجون أيضاً عبر الانترنت، إذ من المستبعد أن تفتح الأبواب قبل السنة المقبلة. وتختم متسائلة: هل يضيّع الطلاب عامهم الدراسي للبقاء بجانب أهلهم في لبنان؟!