كتب منير الربيع في “المدن”: وسط مشهد الانقسام السياسي اللبناني ومنازعاته التي شملت وباء كورونا، ثمة واقعة سياسية إيجابية للمحنة التي تعيشها مدينة بشرّي بفعل انتشار المرض فيها: زيارة وزير الصحة حمد حسن، وطمأنته بأن أعداد المصابين غير مخيفة، إذا ما تم اعتماد الجدية في العمل.
إسقاط جدار؟
هل في استطاعتنا القول إن كورونا أسقط جداراً من الجدران السياسية؟ على الرغم من غياب المنطق أو الحس السليم في حالات المحن المشابهة في لبنان، حصل تنسيق بين ستريدا جعجع ووزير الصحة. وقامت جهات متعددة بعمل مكثف في بشري بإشراف الوزارة والدولة اللبنانية.
لكن يظل هناك من يصرّ في لبنان على الاستثمار السياسي في انتشار الوباء. وهذه عادة لبنانية متجذرة، تغذيها التفاهات وتهافت السياسيين.
ليست هذه المرّة الأولى التي يتعرض فيها سمير وستريدا جعجع إلى هذا النوع من الحملات والهجمات. منذ أشهر كانت صحة جعجع تتعرض إلى حملة شعواء تتحدث عن إصابته بالسرطان. وهذه حال لا تحتمل المزاح في عرف ساكن معراب، فيسارع إلى أكثر من لقاء وإطلالة تلفزيونية وصحافية، لنفي الخبر ووضعه في خانة الصراع غير الشريف. وهذا ما حدث أيضاً عندما أشيع أنه مصاب مع زوجته بكورونا، فسارع إلى النفي.
شماتة وبائيّة
واليوم، هناك حملة تصفية حساب سياسية مع القوات اللبنانية من بوابة انتشار الوباء في بشرّي، وكأنما جعجع يتحمّل مسؤولية انتقاله!
لهذه الحملة أكثر من هدف: أولهما سياسي، وثانيها بمفعول رجعي للشماتة بالقوات اللبنانية بسبب رفعها الصوت داعيةً إلى إغلاق المطار باكراً في وجه رحلات الطيران القادمة من إيران، والسجال الذي انطلق آنذاك حول المصدر الإيراني للوباء في لبنان. قد تكون القوات أخطأت حينها، وهي تراجعت أصلاً. واليوم هناك من يخطئ في حق القوات اللبنانية، ويطلق عليها حملة تصفية حسابات سياسية، مستعملاً الوباء إياه بلا تورع ولا مسؤولية في هذه الظروف الإنسانية الحرجة.
أنه فصل تراجيكوميدي من فصول التهافت اللبناني، المتفشي على إيقاع وباء كورونا هذه المرة التي يمكن تسميتها كونفيدرالية المرض، فيما يتساوى اللبنانيون بغرقهم في عزلات كئيبة.
شيطنة عونية للقوات
وفي هذه الحالات غالباً ما تستخدم حرب الشائعات والتحوير والتزوير في الصراعات السياسية. وهذه حرب قد تكون القوات اللبنانية أكثر من تعرّضت لها من خصومها، لا سيما حزب الله وجمهوره، والتيار العوني الذي يسعى بكل قوته لاختراق بشري شعبياً، وتحقيق شقاق بين القوات وأهل المنطقة.
قبل سنوات قصف العدو الإسرائيلي الأراضي اللبنانية. في قاعة مجلس النواب أُبلغت النائبة ستريدا جعجع بالأمر، إذ توجه إليها أحدهم قائلاً: “ولعانة بالجنوب”، فردت: “انشالله تقطع على خير وما يتضرر حدا من أهل الجنوب“.
قناة “الأو. تي. في” العونية أوردت أن جعجع ردت على عبارة “ولعانة بالجنوب” بقولها: “إنشالله”، حاذفة ما تبقى من جملتها. واعتذرت القناة العونية عن فعلتها. لكن ما حدث يشير إلى الخبث العوني في شيطنة القوات. وكان القصد من تلك الفبركة زرع المزيد من الشقاق بين القوات اللبنانية وحزب الله وجمهوره المرصوص الذي لا ينقصه شيطان عوني ليشيطن القوات. وما فعلته القناة العونية جاء في سياق موقف شهير لستريدا جعجع أعلنته في مجلس النواب، مقرّة بأوجه التشابه التنظيمي بين القوات اللبنانية وحزب الله، اللذين يجتمعان على مبدأ المقاومة أيضاً، بحسب جعجع.
بقعة ضوء؟
البيان الذي أصدرته جعجع الأربعاء، وكشفت فيه عن تنسيقها مع وزير الصحة وتجاوبه قائلاً إنه معها على السمع 24 على 24 ، قد يقلق خصوم القوات، الحريصين وحدهم على استحواذهم العلاقة بحزب الله.
مشهد حمد حسن في بشري، يشير إلى بقعة ضوء في العلاقات بين الجماعات اللبنانية، التي قد تتكاتف بعيداً من التناحر في الأزمات والجوائح. وهذا يختلف جذرياً عن محاولات قوى سياسية الاستثمار في الأمراض والأوبئة لاستمرار التناحر.
الحال بين القوات وحزب الله اليوم تذكر بالعام 2014، حين قلص جعجع المسافات بين الضاحية الجنوبية لبيروت ومعراب. وكان الموقف يهدف آنذاك إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الطرفين، فيما كان سعد الحريري يفتح قنوات تواصله مع ميشال عون سراً.
هل يمكن لكورونا أن تجمع قوى سياسية وتفرق بين أخرى؟ قد لا يحدث ذلك. لكن التنسيق مستمر حول متابعة الوضع الصحي في بشري، على ما يؤكد المعنيون.
لكن هل تحذو مناطق لبنانية أخرى حذو بشري والقوات اللبنانية، فتتبع الشفافية والوضوح والمسؤولية، والإعلان عن حجم الإصابات بكورونا مهما تزايدت، على عكس ما تفعل مناطق أخرى؟ هذا فيما حزب الله يستعرض أساطيله ومستشفياته الميدانية لمواكبة انتشار الوباء. وهذا واجب القوى الحزبية حيال بيئاتها.
ولكن هل يمكن الكف عن إدخال كورونا في الصراع السياسي؟