خصخصة الدولة وبيع إفلاسها أسهماً للاستيلاء على مرافقها

الانهيار المالي الكبير سيؤدي إلى القول للمودعين إن لبنان في حال إفلاس تامة

10 أبريل 2020
خصخصة الدولة وبيع إفلاسها أسهماً للاستيلاء على مرافقها
منير الربيع
منير الربيع
لبنان من الدول الأولى التي تحمست لتعزيز القطاعات الخاصة على حساب القطاع الرسمي. وبارز في لبنان تنامي القطاع الخاص في مقابل إهمال القطاع العام.

الخصخصة متراساً
ومنذ سنوات تقف مسألة الخصخصة متراساً بين القوى السياسية المختلفة، لتقاذف الاتهامات حول تردي خدمات القطاع العام وانهياره أخيراً. فيما ترتفع كلفته المالية ارتفاعاً فلكياً. كثيرون كانوا ينتقدون الخصخصة، أو ينتقدون الآخرين بسببها. وبعض المنتقدين سعى إلى تطبيقها بنفسه. والصراع على الخصخصة مردّه إلى من تكون الجهة المستفيدة منها.

تاريخياً كانت بديهية قوة القطاع الخاص: في الصحة والاستشفاء والتعليم، ومعظم قطاعات الإنتاج. ومضت سنوات كثيرة من المناكفات حول خصخصة الكهرباء، من دون الوصول إلى نتيجة. وقد رُفض إنشاء صناديق سيادية كثيرة. وعندما تكاثرت الشركات الأمنية في مطلع العام 2000 جرى الحديث عن خصخصة الأمن.

تردت أحوال مؤسسات الدولة اللبنانية كلها، وانعدمت الثقة بها، وكذلك القدرة على إصلاحها. وهذا مبدأ أجمعت عليه القوى السياسية المتصارعة، على الرغم من ادعاء كل منها بأنه يسعى إلى إصلاحها وترشيقها. واليوم، في خضم الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان، تغيب الدولة بقطاعاتها المختلفة عن سائر النقاشات الجدية، فيما تتجه الأنظار والاهتمامات إلى صندوق النقد الدولي، وما يمكن أن يقدمه من مساعدات للخروج من الأزمة الكبيرة، وهي ستؤسس حتماً إلى إنهاء القطاع العام.

سوليدير نموذجاً
ربما يراد لنموذج شركة سوليدير الخاصة أن يتكرر في مجالات مختلفة، وصولاً إلى معظم القطاعات والمرافق المنتجة في لبنان. وهذا يؤدي إلى تغير جذري في بنية النظام الاقتصادي والمالي المنهار، وإلى ضرب الدولة بمفهومها المؤسساتي العام، لصالح قطاعات موازية. وقد تُنشأ شركات خاصة، لتشارك ما تبقى من هيكل الدولة. وبذلك تنتقل ملكية المرافق الكبرى في الدولة إلى هذه الشركات، والتي تضم موانئ ومطارات وطرق وجسور.

 قد يكون من المبكر الحديث في هذا الموضوع. ذلك أنه قد لا يبدو واقعياً أو صائباً في ظل الانهيار الذي يعيشه لبنان. ولكن الانهيار الراهن قد يكون مقدمة إلى هذا المشروع.

قبل حوالى سنة أو أكثر بقليل، أقر قانون تحويل أسهم “شركة السكة الحديد في لبنان” إلى ملكية الدولة. كانت أسهم هذه الشركة ملك “حامليها” الكثيرين. أُقر القانون لتثبيت حقوق حاملي الأسهم وتثبيتها، وحمايتها بفعل مرور الزمن، على أن تصبح الأسهم ملكاً للدولة. وهذه الشركة ستكون جزءاً من الشركة الخاصة الكبرى التي ينوي مشروع الخصخصة المقبل إنشاءها.

أسهم الإفلاس
الانهيار المالي الكبير، والحديث عن إفلاس بعض المصارف، أو دمج عدد منها، والحروب الدائرة على ودائع الناس، قد يؤدي إلى القول للمودعين إن لبنان في حال إفلاس تامة، وما من قدرة لتسديد أموالهم وودائعهم، بغض النظر عن بهلوانات قرارات حماية صغار المودعين. لذا سيطرح على المودعين تملّك أسهم في هذه الشركة الخاصة الكبرى، الشبيهة بسوليدير. وفي حال سُعّر سهم هذه الشركة بـ 100 دولار أميركي مثلاً، واستمر الانهيار المالي على غرار ما حصل في اليونان، سوف يهرع حاملو أسهم الشركة إلى بيع أسهمهم خوفاً من خسارات هائلة.

الفكرة قائمة، ولو تغيّر الأشخاص القائمون عليها. والانهيار المستمر مالياً واقتصادياً سيؤدي حكماً إلى تفعيلها، لا سيما في ظل انعدام التوازن الدولي، وعدم الاستقرار العالمي الناجم عن وباء كورونا. ولبنان لن يكون على قائمة أولويات الدول ومساعداتها. وما يجري يهدف إلى بيع لبنان.