ابن عكّار على جبهة كورونا الإيطالية: اِبقوا في منازلكم

10 أبريل 2020
ابن عكّار على جبهة كورونا الإيطالية: اِبقوا في منازلكم
نسرين مرعب

في الأيام الأولى من بدئه العمل كجنديّ في الحرب المفتوحة ضدّ البشرية، من فيروس كورونا، على الجبهة الإيطالية، كان ابن ببنين واحداً من الذين يخافون. بعض زملائه كانوا يبكون: “رأينا شباباً في أعمار الورد يؤخذون إلى غرفة الإنعاش. ورأينا كباراً في السنّ يموتون أمام عيوننا، ولا نعرف كيف نساعدهم”. بهذه الكلمات يحاول الدكتور مرعب المرعبي اختصار صورة المعركة التي يخوضها الأطباء في إيطاليا، وهو البلد الذي يسجّل الرقم الأكبر من حيث عدد الوفيات في العالم، فيما يحتل المرتبة الثالثة في عدد الإصابات مؤخّراً، بعدما كان يحتلّ المرتبة الأولى لأسابيع طويلة.

اسم إيطاليا ارتبط بالموت، وبالكورونا، لكنّ المرعبي (33 عاماً)، ابن بلدة ببنين العكارية، الذي غادر لبنان في العام 2004، واستقرّ في إيطاليا حيث يعيش في مدينة انكونا ويعمل كطبيب جراحة مفاصل وعظام في مستشفى Civitanova Marche الحكومي، قرّر أن يبادل إيطاليا بالحبّ الذي أعطته إيّاه.

المستشفى تحوّل إلى مستشفى متخصّص بالكورونا. كلّ الأجنحة أُقفلت وأُصيب 3 أطباء بالفيروس، ومن بين عدد الوفيات في إيطاليا والبالغ (17.669) 100 طبيب تُوفّوا خلال تقديمهم العلاج. حتّى الآن المرعبي هو أحد الناجين، أطال الله بعمره.

وعند سؤاله عن الحالات التي تعالج في المستشفى، يجيب الدكتور المرعبي في حديث لـ”أساس” أنّ “80 حالة وضعها الصحّي متوسط، 15 حالة في العناية المركّزة للحالات الشديدة و 5 حالات في قسم الطوارئ للحالات الشديدة”. أما عدد الوفيات، فهو “50 حالة وفاة وذلك منذ 15 آذار، 70 % منهم من الذكور، و90 % أعمارهم تزيد عن 75 سنة”.

يحدثّنا المرعبي عن المرض، هو الذي كان يرى صور الأشعة التي يخضع لها المرضى، فزوجته سارة تعمل أيضاً في قسم التصوير: “بحسب الصور، فإنّ هذا الالتهاب الرئوي غريب الشكل وحادّ ويسيطر فوراً على الرئتين”. ثم يصف المستشفى بـ”الموبوء”، متخوّفاً من الموجة الثانية: “أعداد المصابين انخفضت في الأيام الماضية، لكنّها عادت وارتفعت بسبب القادمين من دور العجزة ومن المستشفيات الخاصة”.

“المرض يضرب القلب والكلى، وهو عاصفة التهابية تمشي في الدم”، يقول المرعبي موضحاً أنّ “فعالية الأدوية خفيفة ولا لقاح كما يعرف الجميع. والأدوية التي يتحدّثون عنها تأثيرها خفيف ولا دراسات سريرية أو علمية تؤكّد مفعولها. أما دواء الكلوروكوين، فيمكن تجربته في فترة حضانة الفيروس”.


الطبيب الذي يواجه الفيروس في إيطاليا، يحذّر الشباب في لبنان من الاستهتار والخروج وممارسة الحياة بشكل طبيعي، فالمناعة القوية لن تحميهم دائماً


يتوقف المرعبي عند مأساة كبار العمر وشعور الأطباء بالعجز أمامهم، ما ينعكس سلباً على نفسية الأطباء: “عندما نصلهم بجهاز التنفس الاصطناعي، يصابون بالضرر. فالأوكسجين يضغط على الأنسجة الدموية في الرئتين، لذلك أصبحنا نكتفي بإعطائهم المورفين”، مضيفاً بغصةّ: “المسنون الذي يعانون من مرض السكري والأمراض المزمنة كسرطانات قديمة ومن أمراض السمنة، لا يصمدون أكثر من 3 أيام”.

وبحسب الطبيب، فإنّ عدد الإصابات بفيروس الكورونا في إيطاليا أكثر من 140 ألفاً وهو الرقم المصرّح عنه رسمياً: “الدراسات تقول أنّ لدينا 6 ملايين إصابة في إيطاليا، لكنّ الفحوصات غير متوفرة. طاقاتنا الآن محدودة والفحص باهظ الثمن”. 6 ملايين من أصل 60 مليون نسمة، أي 10 % من السكّان.

الطبيب الذي يواجه الفيروس في إيطاليا، يحذّر الشباب في لبنان من الاستهتار والخروج وممارسة الحياة بشكل طبيعي، فالمناعة القوية لن تحميهم دائماً: “ردّة الفعل قد تكون أحياناً قوية في مواجهة العاصفة الالتهابية ما يعرّضهم للخطر. كما أنّ الفيروس عندما يمشي في الدم يسبّب التهاباً في عضلة القلب، ومن عوارضه أيضاً إلغاء حاستي الشم والتذوّق”.

في الختام، يدعو الدكتور المرعبي اللبنانيين إلى التزام بيوتهم لمنح الوقت للأطباء والعلماء لإجراء الأبحاث وإيجاد العلاج، معتبراً أنّه من الخطأ عودة المغتربين إلى لبنان في هذا الوقت العصيب: “لدي 7 أشقاء في إيطاليا ولا نفكر في النزول إلى لبنان. نحن في حرب والكلّ حامل للعدوى. الأفضل هو البقاء في المنازل”.