كورونا.. كله سياسة وانتصارات

الناس مشغولة بلقمة عيشها والوضع الصحي، فجاءت الانتصارات المجانية للحكومة

12 أبريل 2020
كورونا.. كله سياسة وانتصارات
نادر فوز
نادر فوز
لم يغيّر فيروس كورونا الكثير في الحياة السياسية اللبنانية، إلا أنه منح السلطة وأحزابها نفساً إضافياً.
كادت الساحة أن تخلو من السياسة، لكن ذلك غير ممكن.
اللا سياسة مفهوم سوّق له البعض، انتشر، لكنه مخالف للواقع. طِباق. يخشى الكثير من اللبنانيين السياسة. يفضّلون الاهتمام بالنبات أو مشاهدة مسلسل تلفزيوني أو لعب الورق على متابع المواقف السياسية أو الاطلاع على مستجدات النزاعات الداخلية.

تلك الهوايات أخفّ ثقلاً من قيء سياسي، تفيض به باستمرار زعامات وأحزاب وتيارات، وكل ما فيه من عفن. لا لشيء إلا لكون السياسة، في معناها اللبناني، تعني تلقائياً تفرقة وانقسام، ربما حرب واقتتال أهلي. هذا ما عمّمته الطوائف على الرعايا.

حتى أنّ البعض يحاول إبعاد الصبغة السياسة عن أكثر المعارك السياسية وضوحاً، في الثورة والانتخابات مثلاً. فتصبح المطالبة بالمال المنهوب حقاً اجتماعياً عاماً. ومحاكمة الفاسدين مطلب ليس الهدف منه شخص معيّن، بل تعبير عن مبدأ.
أما دعم مرشّح نيابي فليس الغرض منه المواجهة مع حزب أو تيار، بل فقط للتعبير عن التنوّع. كثيرون من اللبنانيين مرتعبون من شبح السياسة. ولو أنّ الحقيقي والطبيعي أن تدخل السياسة في كل شيء.
فمواجهة التبدّل المناخي سياسة، والمحافظة على البيئة والتراث سياسة، والتصديّ للفقر والفساد سياسة، الاقتصاد والمال سياسة، الأموال المحجوبة في المصارف سياسة، الرياضة سياسة.. حتى الإذن بركن سيارة في الشارع سياسة.

كورونا… سياسة
منذ يومين، قبله وعلى الأرجح بعده أيضاً، سيطر وزير الصحة حمد حسن على المشهد.

نشر له أحد المصوّرين غير المهنيين صورة معدّلة. لعب بالإضاءة وبالألوان فيها، وجعل معالمها حادة. فزاد تجاعيدها وبقعها السوداء.
حوّل الرجل الخمسيني إلى شبه معتقل في سجن عسكري.
إلى ناجٍ من قصف طائرات العدو، أو جندي على جبهة في حرب شوارع تخلّلها قتال بالسلاح الأبيض أيضاً.
الوزير حسن منهك، أكيد، إلا أنّ تزوير هذا الإنهاك ومضاعفته والتسويق له يضع الأخير في مرمى إضافي من سهام الانتقاد.
ولا يرفع إلا من منسوب التهكّم على الأرجح، ولو أننا نعيش مأساةً.
فالوزير حسن، نفسه، وعدنا قبل أيام “أننا مقبلون على مستقبل مشرق، أعدكم بإعلان الانتصار قريباً ليصبح لبنان ثاني الدول في العالم التي تنتصر على هذا الوباء بعد الصين”.
وتأكيد على الموقف “أصبحنا على قائمة الدول التي قضت على هذا الوباء إلى حدّ ما”.
فـ”كفتت” بعدها عشرات الإصابات، مصدرها الداخل والخارج. حتى أنّ وسائل إعلامية محسوبة على محور الوزير سوّقت لبؤر وباء. بين أمل زائف حمله الوزير لتحقيق انتصار سياسي، ومعركة سياسية تخوضها الأحزاب عبر الإعلام، تتم معالجة كورونا. الكورونا مادة سياسية أيضاً.

انتصارات مجانية
وفي المهرجان الإعلامي الذي نظّمته السلطة لاستقبال اللبنانيين من الخارج، مادة سياسة أيضاً. منتج دعائي محض، لا لبس فيه من ألفه إلى يائه. واستغلال ظروف كورونا، مهمّة سياسية أيضاً.

تم فيها الخلاص من ضجيج المعترضين في شوارع 17 تشرين واعتصاماتهم. وتمرير سلسلة من القرارات العاطلة من دون تسجيل احتجاج.
فمرّر مشروع سد بشري، وبعده بضع تعيينات.
كما أطلق سراح العميل عامر الفاخوري، بما في ذلك من حسابات دولية لتبييض صفحات شخصية وسياسية.
وفي ظرف كورونا أيضاً، أطلّ علينا رئيس الحكومة معلناً أنه “في 59 يوم، ومن أصل مجمل الإصلاحات التي تعهّدت حكومتي إجراءها خلال الأيام المئة الأولى، 57% منها أصبحت اليوم جاهزة للتصويت عليها في مجلس النواب”.
عبّر دياب عن انتصار سياسي في الإعلام، وهو يعلم أنّ لا قدرة على الردّ عليه. أنّ الناس مشغولة بتأمين ما تيسّر من خبز، من أموال محجور عليها في المصارف، من تدارك للوضع الصحي وإجراءاته. فجاءت الانتصارات للحكومة، ومن فيها ومن يتحكّم بها، بالمجّان.

بؤس إضافي

ولمضاعفة بؤسنا في زمن كورونا، سنحت لرئيس التيار الوطني الحرّ، الوزير السابق النائب حبران باسيل، أن يخاطب الجمهور واللبنانيين عبر شاشة.
أتاه ظرف كورونا ليطلّ من بعيد على الناس، وينضمّ إلى نخبة زعماء الشاشات والمسافات. فكانت أربعون دقيقة من العزاب الإضافي في العزل، تحدّث خلالها باسيل عن كل شيء.
إرشادات صحية وسياسية، المغتربون، حديث عن القيم العائلية في الحجر، والتضامن الاجتماعي، التبرّعات، الكمّامات وكل ما من حوله.
وبينما كان يتحدّث، كان الهاتف بيد للعبة ورق إلكترونية، وإبريق ريّ النبات باليد الأخرى، فيما الأذنان مع المرحومين إبراهيم مرعشلي وهند أبي اللمع في مسلسل “المعلّمة والأستاذ” على تلفزيون لبنان.
لا بد من مساحيق، أقلّه معنوية، تساعد على مسح كل القيء السياسي.
المصدر المدن