حسن مراد صحافي لبناني مقيم في فرنسا
زيارة ايمانويل ماكرون لمعهد Méditérranée Infection ولقاؤه البروفيسور ديديه راوولت حملت مضامين متعددة. الهدف الرسمي من الزيارة هو توسيع الرئيس الفرنسي لمروحة استشاراته في ما يخص البحث عن علاج لفيروس كورونا.
لكن صحافيين اعتبروا أنها أتت بعدما لم يعد بوسع ماكرون البقاء متفرجاً أمام الضغط الإعلامي الذي مارسه البروفيسور المذكور بغية الدفع نحو اعتماد الكلوروكين كعلاج للفيروس. أثار الضغط جدلاً علمياً تحول إلى سخط شعبي إذ اتهمت الأجهزة الرسمية بالتلكؤ لأغراض خفية.
وعليه اعتبرت الصحافة الفرنسية أن هذه الخطوة تهدف إلى تخفيف احتقان الشارع الفرنسي وحتى استمالته بعدما تحول البروفيسور راوولت إلى ما يشبه “الأيقونة” بنظر شريحة من الفرنسيين، أيقونة التصدي لخطة الطوارئ الحكومية غير الفعالة على حد وصف المعارضين لماكرون.
لم تحظَ زيارة الرئيس الفرنسي بالتغطية الإعلامية المعهودة بعدما أحاطها قصر الإليزيه بشيء من السرية، فكانت وسائل التواصل الاجتماعي البديل الطبيعي لاطلاع الفرنسيين على كواليسها. فانتشر فيديو للقاء قصير جمع ماكرون بعدد من طلاب هذا المعهد حيث شكرهم على جهودهم. وقد تبين أن الطلاب اجانب بغالبيتهم، بعدما سألهم ماكرون عن أصولهم.
ويتضح من المقطع أن أحد الطلاب صوره بهاتفه المحمول لأن طريقة التصوير غير احترافية، وانتشاره بداية على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعود وتتناقله وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية في مرحلة ثانية.
انتشار هذا الفيديو داخل فرنسا حمل بعداً سياسياً حتى لو لم يتم التطرق إليه بشكل واسع. من خلاله ظهر المهاجرون كقيمة مضافة لفرنسا إذ تولد انطباع لدى من شاهد الفيديو أن هؤلاء الطلاب يساهمون في الجهود البحثية.
وأثار الفيديو ضجة واسعة في أوساط الجالية اللبنانية في فرنسا، لتتناقله صفحات المجموعات اللبنانية على وسائل التواصل الاجتماعي. واستناداً إلى اجوبة الطلاب عن اصولهم، اتضح أن مجموعة من اللبنانيين حاضرة بينهم، كما يمكن التوقف عند إيماءة رأس قام بها ماكرون بعدما سمع بلبنان وكأنه جواب منتظر.
وأخذ المقطع المُصوّر بعداً مختلفاً بعدما نُشر في الصفحة الرسمية لقنصلية لبنان في مرسيليا، وهي المدينة التي يقع فيها المعهد، مرفقاً بلائحة بأسماء الطلاب اللبنانيين في هذا المعهد، ليتبين أن عددهم الإجمالي ثمانية عشر : خمسة عشر طالب دكتوراه وثلاثة طلاب ماجستير يخضعون لفترة تدريبية. وأضافت صفحة القنصلية أن هذه المجموعة منضوية ضمن فريق عمل البروفيسور راوولت ومتواجدة في الخطوط الأمامية لمحاربة الفيروس.
انتشار هذا المقطع بين اللبنانيين كان مدعاة فخر لرواد مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما وأنه يحلو دوماً لأبناء هذه الجالية التقاط أي إشارة تظهرهم في صدارة المشهد الإعلامي الفرنسي.
ويمكن أيضاً تفسير انتشاره على هذا النحو كنوع من النشوة بتميز المغترب اللبناني: فالاغتراب فرصة لتحقيق ما عجزوا عنه في بلدهم الأصلي، ودراسة الطب من المجالات التي يسعى المغترب اللبناني لإثبات حضوره فيها. فمن الناحية النظرية، يفترض هذا الحقل العلمي التفوق الدراسي حتى بات يُنظرُ لمن يُقدِمُ عليه أنه من النخبة العلمية، ناهيك عن المكانة الاجتماعية التي تستبعها هذه الدراسة، بمعنى آخر اللعب على وتر “البريستيج”.
ووصل صدى هذا الفيديو إلى لبنان، حتى أخذ بعداً سياسياً بعد اتصال أجراه رئيس الحكومة حسان دياب بهذه المجموعة، حمل عنوان “بتكبروا القلب”. عددٌ من اللبنانيين في فرنسا لم يستسيغوا الأمر، متهمين دياب بالاستغلال السياسي دون وجه حق.
لكن جدلاً آخر شغل بال الجالية اللبنانية أكثر من مهاتفة دياب لأبناء جلدته: فبعد انتشار صورة، على صفحة لبنانيون في باريس، قيل أنها تجمع ماكرون مع هذه المجموعة من الطلاب اللبنانيين، دار تراشق كلامي حيث دلت التعليقات على انقسام الجالية حيال طريقة إدارة الرئيس الفرنسي لهذه الأزمة.
ففي موازاة عبارات الثناء والدعاء لهم السلامة، وجهت انتقادات لاذعة لماكرون وصلت إلى حد اتهامه “بالإجرام” في إشارة مبطنة إلى تحميل سياسته مسؤولية الوفيات في البلاد. وعاتب آخرون الطلاب على عدم مصارحتهم له بتقصير الحكومة الفرنسية، خصوصاً في ما يخص توفير الكمامات الواقية، حتى اعتبر البعض أن “متلازمة الزعيم” مغروسة في النفس اللبنانية أينما حلت.
لكن فصولاً أخرى من رواية الاغتراب اللبناني في زمن الكورونا كانت سوداوية. فحتى الساعة، فقد ثلاثة أطباء لبنانيين حياتهم في فرنسا أثناء معالجتهم لمرضى مصابين بالفيروس. هنا أيضاً ضجت صفحات اللبنانيين بأسمائهم وصورهم في إشارة إلى مناقبية الطبيب اللبناني، حتى أن إحدى الجمعيات اللبنانية بادرت إلى نشر فيديو تخليداً لذكراهم.
ولعل وفاة الدكتور سامي عبد الرضا أثارت الضجة الأكبر كأول طبيب لبناني يفقد حياته بفرنسا خلال عمله في هذا الظرف الاستثنائي، إلى جانب كونه طبيب نادي “سيرجي – بونتواز” لرياضة الهوكي، لتنعيه الصحافة عامة والرياضية خاصة، كما مختلف نوادي الهوكي الفرنسية.
المصدر
المدن