يتعارض الطرح الذي تقدّمه مع ما تضمّنته خطّة الحكومة لناحية خلق صندوق سياديّ للودائع المبخّرة مقابل تحصيل الاموال المنهوبة. فأين تكمن المفارقة بين الطرحَين؟تستند خطة الحكومة على شطب جزء كبير من قيمة الودائع في المصارف والتي هدرت من خلال تمويل الدولة التي لم تعد قادرة على سداد ديونها. لكن المساس بودائع الناس غير ممكن كونها ملكية خاصة محمية دستوراً. تتضمن الخطة الحكوميّة فكرة إنشاء صندوق لتعويض الخسائر المراكمة، تُجمع فيه الأموال المنهوبة المستعادة، مع ما قد تأتي به لاحقاً خصخصة قطاعات الدولة، الامر الذي قد لا يتحقق في المدى المنظور. فالمطروح يتطلب وقتاً لم نعد في الواقع نملك تَرَفه. إنّ عملية استعادة الاموال المنهوبة طويلة الأمد كما أن الاموال المحصّلة يمكن ألا تغطي قيمة خسائر النظام المصرفي البالغة 62 مليار دولار. الى ذلك، لا يجوز أن تقع مسؤولية إنقاذ المصارف عبر الـBail In على عاتق المودعين. من هنا، ترتكز فكرة إنشاء “المؤسسة المستقلّة” الى مبدأ التعويض على المودعين الذين خسروا ودائعهم التي باتت موجودة دفتريّاً فقط.
ما الشكل الذي على المؤسسة المستقلّة اتّخاذه؟قبل كلّ شيء، أودّ أن أشير الى أنّ المؤسسة المستقلّة ليست حلاً مطلقاً بل إنها جزء من سلسلة حلول تبدأ بوقف النزف غير المنقطع في القطاع العام ولا تنتهي عند حدود إصلاحات بنيويّة. بدون الاصلاحات ومعالجة مزاريب الهدر ومكامن الفساد، لا يمكن الحديث أن أية حلول فعّالة.
تضمّ المؤسسة المستقلة الوطنية أصولاً تملكها الدولة ويُعطى فيها المودعون أسهماً بدل اقتطاع نسبة من ودائعهم. تُدار المؤسسة باستقلالية تامّة عن النظام السياسي وتحت رقابة دولية ومحلية من الشعب. ذلك يعني أن ملكية المؤسسة المباشرة تعود للمساهمين.
في الواقع، جرت العادة أن تُدار مؤسسات الدولة وإداراتها وأصولها وكأنها أملاك خاصة لعدد من الجهات السياسية الحاكمة وهي التي تتحكم بالقطاع العام. وبذلك تكون الدولة قد أثبتت وبكلّ ما تزخر به من امتيازات السلطة العامة أنها عاجزة عن إحقاق المصلحة العامة. وعليه، يجب على هذه المجموعة ان تدفع المترتب عليها من ديون راكمتها على الشعب اللبناني وسددتها من مدخراته بإعطائه الملكية المباشرة لإدارة أصولها ذات الطابع التجاري، تماماً كما تكون الحال لكل مستدين لديه أملاك ويتعثر في دفع ديونه بسبب عدم توفر السيولة لديه. هنالك فئة معارضة لهذا الطرح. ترتكز نظريتها إلى مبدأ المحافظة على أصول الدولة وعدم التفريط بها لأي سبب كان، فكيف يمكن للدولة أن تعوض خسارة الاصول المشمولة في الاقتراح؟
يمكن التعويض عن المداخيل المتأتّية من هذه الأصول بإقفال مزاريب الهدر والفساد في الجمارك والمعابر البرّية والبحريّة بالاضافة الى معالجة ملفّ التوظيف العشوائي والتهرب الضريبي واسترداد الأموال المنهوبة وضرائب الأملاك البحرية… والجدير بالذكر ان الأموال المنهوبة لا تقتصر على أموال صرفت من قبل الدولة واستفاد منها اصحاب النفوذ بشكل غير شرعي فحسب، بل هي تطال الأموال التي لم تدخل أصلاً في حسابات الخزينة العامة او الاقتصاد ككل بسبب التهرب الجمركي والضريبي والتهرب من تسديد الرسوم. كلّ ذلك يُضاف الى سياسة ترهيب المستثمرين ومنعهم من القيام بأي مشاريع استثمارية جراء المواقف التصعيديّة والسلاح غير الشرعي والتعطيل الدستوري لسنوات عديدة، تحديداً منذ العام 2009.