في المبدأ، يقول وزير المال غازي وزني إن الخطة الاقتصادية أعدت بين رئاسة الحكومة ووزارة المالية والمستشارين والخبراء اللبنانيين الذين تعاونوا مع شركة لازارد (المستشار المالي للحكومة)، وهي ليست من إعداد الأخيرة، لكن بعض المصادر المتابعة تشير إلى أن التقرير الذي أعدّته “لازارد” اقترح تنفيذ عملية “HAIRCUT”.
لقد شاركت شركة “لازارد” في صياغة الخطة الحكومية وليس هناك من تقرير مواز للاستشاري المالي، يقول الخبير المالي والاقتصادي وليد ابو سليمان لـ”لبنان24″؛ فالكثير من بنود هذه الخطة تحاكي شروط الدول والصناديق المانحة، إن في ما يتعلق بإعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف، وبنسة أقل إعادة هيكلة القطاع العام، وهي تتوسع طبعاً في الشق المالي لأن الحكومة في صدد إعداد خطة موازية للشق الاقتصادي.
ومع ذلك، فقد تجرأت الحكومة، بحسب أبو سليمان، في تشخيص المرض، فأقرت بوجود خسائر تتخطى قيمتها الـ83 مليار دولار، وهي تتضمن خسائر مصرف لبنان بالعملات الأجنبية والعملة المحلية، القروض المتعثرة في القطاع الخاص، فضلاً عن خسائر المصارف التجارية من شهدات إيداع وسندات في مصرف لبنان، حيث سيتم تحميل جميع الأطراف الخسائر، ولو بنسب متفاوتة، على أن تكون حصة الأسد للطرف الأكثر شراكة في إساءة الإدارة والأمانة وتسبب بالهدر والفساد وفي السياسات المالية والنقدية الخاطئة. وهذا ما أثار نقمة كبيرة، مع العلم أن الخطة الموضوعة على طاولة مجلس الوزراء هي مسودة قابلة للنقاش والتعديل بناء على الملاحظات واقتراحات المشاركين في صياغتها، وبالتالي لن يتم تطبيقها كما هي اليوم، لا سيما وأنّها تنص على تحميل حوالي 62 مليار دولار للمودعين الكبار بعدما ألمحوا إلى أنّ 90% من المودعين الصغار لن يتمّ المساس بودائعهم التي لا يتخطى سقفها المئة ألف دولار والتي يبلغ حجمها حوالي 12 مليار دولار، فيما تبلغ قيمة الحسابات المتبقية حوالي 100 مليار دورلار.
وإذا كانت مسودة الخطة الاقتصادية أشارت إلى أنّ للمودعين حق الاختيار في التعويض عن ودائعهم من خلال أسهم في المصارف بعد شطب هذه الودائع وخروج المساهمين الأجانب في المصارف لمصلحة كبار المودعين بعد تصفير الحسابات، فإن هذه الخطوة، يصفها ابو سليمان، بالناقصة وستكون غير ذي فائدة لأن المصارف بحاجة إلى إعادة رسملة وإلى سيولة.
وليس بعيداً، يتحدث أبو سليمان عن إنشاء صندوق التعافي الذي ستوضع فيه أصول الدولة والأموال المنهوبة، لكن يشوبه الغموض والكثير من التساؤلات: من سيدير هذا الصندوق؟ هل هو تلميح إلى الخصخصة؟ كيف ستعاد الأموال المنهوبة؟
عدا عن ذلك، فإن الخطة تنص على تحرير سعر الصرف على ألا يتخطى سعر الدولار في العام 2023 الـ2900، في حين أن سعر الصرف اليوم قد تجاوز الـ3000 ليرة ما يعني البقاء تحت رحمة السوق الموازي، وبالتالي فإن تقديرات الخطة ليست في محلها، ما يعني أنّها خطة طموحة ولكن غير واقعية. أما بالنسبة إلى تخفيض العجز من 170% إلى 100% فلا يزال غير واضح كذلك الأمر بالنسبة للنمو، حيث هناك حاجة إلى رساميل خارجية لتحقيق هذا الهدف، وفي ظل الوضع الاقتصادي المحلي والدولي كيف يمكن تأمين تلك الرساميل؟
في المقابل، لم تأت الخطة على ذكر دعم القطاع الخاص، إنما أشارت إلى فرض المزيد من الضرائب لرفع الواردات ما قد يؤدي إلى أسر الاقتصاد، لأن لجم العجز لا يكون بعقلنة الرواتب، انما من خلال ترشيد الانفاق إعادة هيكلة القطاع العام وتحفيز القطاع الخاص الذي يشهد تراجعا حادا بفعل إقفال المؤسسات وارتفاع البطالة.
لكن ماذا عن أحقية تطبيق الـHaircut على الودائع ؟
ما يجب تأكيده، بحسب أبو سليمان، هو أن عملية الـHaircut غير مجدية لأن الودائع المتبقية نظريا عن أي اقتطاع، هي غير متوافرة أصلا في المصارف كسيولة. وفي أحسن الحالات، لم يتبق في مصرف لبنان إلا حوالي 20 مليار دولار من العملات الصعبة من مجمل الودائع وهي كاحتياطي الزامي، وبالتالي لن تحصل عملية اقتطاع طالما أن المصارف غير قادرة على إعادة الودائع المتبقية. والمطلوب هو إعادة التدقيق بالودائع الموجودة في المصارف لأن هناك ودائع مشبوهة، يفترض ان يتم الاقتطاع منها بنسب مرتفعة جدا. وبالتالي طالما أنّ هناك قيوداً على التحاويل للخارج، فمن الأفضل استثمار الودائع الموجودة في مشاريع إنتاجية زراعية أو صناعية أو تكنولوجية بسبب النمط الاقتصادي الآخذ في التغيير، أو في القطاع العقاري كونه راهناً ملاذا آمنا بانتظار انقشاع الرؤية.
وسط ما تقدم، فإن المطلوب بالدرجة الاولى، كما يقول أبو سليمان، ضرورة النظر بالودائع التي لا تزال في المصارف والتي يتخطى حجمها الـ140 مليار دولار وإخضاعها للتدقيق واستعادة الاموال التي حولت للخارج وتلك المنهوبة، قبل القيام بعمليات استثمار في أصول الدولة.