تحت عنوان فيدرالية المرجعيّات السياسية، كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”: لم تكن نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة على أساس النسبية، سوى إحدى الإشارات الأولية الطفيفة عن منحى تغييري في قواعد اللعبة السياسية القائمة منذ سنوات طويلة على الوراثة السياسية والمرجعيات الحزبية والمناطقية.
في 17 تشرين الأول الفائت، خطت هذه المحاولات خطوات جدية، رغم ملاحظات سلبية على أداء بعض مدّعي قيادة الحركة الشعبية، واستغلال فئات سياسية لها، فقدّمت نماذج تغييرية جعلت السلطة السياسية والأحزاب المشاركة فيها والخارجة عنها تهتزّ للمرة الأولى على وقع التظاهرات الشعبية في معظم المحافظات.
ما يحصل منذ أزمة انتشار فيروس كورونا، معطوفاً عليه انهيار الوضع الاقتصادي، لافت بالمعنى المعاكس. القضية لا تتعلق بمعارضة أو بموالاة، بل بانكشاف حجم الاستغلال الحزبي والسياسي والطائفي للحالة المرضية والاجتماعية، من أجل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، واستعادة زمام المبادرة السياسية.
ما يجري فعلياً على الأرض، هو أن القوى السياسية استفادت من الفرصة للتحكّم مجدداً برقاب الطبقة الشعبية التي خرجت عن الخط المرسوم لها قليلاً في الانتخابات النيابية، وكثيراً في تشرين الأول الفائت.
يجري نقاش في عدد من الدول الأوروبية حول دور القوى السياسية المعارضة والموالاة في الالتفاف حول السلطة المركزية من خلال نقاش مفتوح للوصول إلى أفضل التدابير الممكنة للحفاظ على أرواح الناس والاقتصاد في آن معاً، فيما تلتفّ الشرائح الاجتماعية حول حكومتها وتدابيرها وحدها.
في لبنان، وفي غياب السلطة المركزية والدولة، بثّت قضية كورونا بعد الأزمة النقدية، الروح في المرجعيات الحزبية والسياسية. ولأن هذه القوى متغلغلة في إدارات هذه الدولة، استفادت من الأزمة الحالية كي تستخدم هذه المقدّرات مع السلطة الإدارية لتقديم خدمات إلى قاعدتها الانتخابية، وتطويع من خرج عن إرادتها عبر المساعدات الاجتماعية وتأمين الأدوية والتعقيم والأقنعة وتخصيص أسرّة في مستشفيات خاصة.
لعل أسوأ ما قدّمته هذه الأزمة هي أنها فرضت “لامركزية” من نوع آخر، أشبه بفيدرالية طائفية وسياسية واجتماعية، نتيجة العزل المناطقي أحيانا ونتيجة محاولة كلّ حزب أو مرجعية سياسية تسيير مناطق نفوذها على إيقاعها الخاص.