يكاد الاحترام المدروس يطغى على العلاقة بين الخصمين التاريخيين اللذين تلتبس طبيعة العلاقة بينهما الى حد الشبه المستحيل. لا لقاء في العلن ولا تواصل محسوباً بالخفاء بين “القوات اللبنانية” و”حزب الله”. هما تنظيمان متشابهان من حيث شدة التنظيم والبنية أكثر من أي حزب أو تنظيم لبناني آخر. لكنهما حتى الساعة خطان متوازيان لا يلتقيان وإن كان التودّد سمة كل منهما في التعايش ورفع التحية لبعضهما عن بُعد. لكل منهما حساباته المرحلية والمستقبلية المحلية والخارجية. فـ”الحزب” شغل العالم ورسم الحدود والمعادلات خارج الساحة اللبنانية، ما جعله لاعباً محلياً فاعلاً ومؤثراً على الملعب الإقليمي. في حين ان “القوات اللبنانية” تعمل باستمرار لإعادة رسم صورتها وبوصلتها منذ خروج قائدها الى الحرية مجدداً، ليتموضع مع حزبه داخل إطار مختلف مع ما كان موروثاً عن السلف، متوجهاً الى بوابة العالم العربي من خلال السعودية، معززاً قبوله بالطائف كخيار استراتيجي على عكس “التيار الوطني الحر”، غريم “القوات” على الساحة المسيحية، والحليف الأساس لـ”حزب الله” والذي يشكل القاعدة الأساسية لمنحى العلاقة بين “القوات” و”حزب الله” بغض النظر عن التمنع الإيراني في فتح النافذة تجاه “القوات” قبل إغلاق ملف الديبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين اختطفوا العام 1982.
وفيما يلتقي “حزب الله” مع “الإشتراكي” و”المستقبل” على لجان تنسق امورهما المشتركة، لا تجمعه مع “القوات” اي لجنة او هيئة تنسيق، وحده التنسيق بين الوزراء تحت سقف مجلس الوزراء او بين نواب الطرفين تحت قبة البرلمان، وما دون ذلك كلام غالباً ما يكون القصد منه “دق اسفين” في العلاقة بين “حزب الله” و”الوطني الحر”، إنطلاقاً من اللقاءات التي جمعت وزير الصحة المحسوب على “حزب الله” مع “القوات” للتنسيق بخصوص محاصرة “كورونا” الذي داهم اهالي بشري. كانت زيارة حمد حسن كفيلة بأن تزعج الكثيرين ممن استفادوا منها للقول ان “القوات” انفتحت على “حزب الله” وان الحوار انطلق بين الطرفين. ضربة تحقق أكثر من هدف على مستوى العلاقة مع “التيار” ومع حكومة حسان دياب للعب على وتر نسج تحالفات جديدة وجبهات ليست الا من نسج الخيال كما هو واضح.
ونُقل في الساعات الماضية ان لقاء جمع، وبترتيب من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ممثلين عن “حزب الله” و”القوات” سرعان ما سارع الطرفان الى نفيه ليؤكد كل من جهته على تلك العلاقة المستحيلة بينهما.
فقد نفت اوساط “حزب الله” حصول “أي لقاء أو أي حوار مع القوات لا اليوم ولا في اي وقت مضى”، مذكرة بقول أمينه العام السيد حسن نصرالله ان “لا حوار مع القوات اللبنانية لا فوق الطاولة ولا تحت الطاولة”.
رغم اعتراف “حزب الله” ونظرته الى “القوات” كمكون سياسي لبناني الا ان العقبات التي تعترض فرضية وجود مثل هذا الحوار كثيرة، تعود الى اسباب تاريخية، إيديولوجية واستراتيجية.
يتم الحديث عن محاولات عدة بذلها أصدقاء مشتركون ممن لاحظوا وجود أوجه شبه كثيرة بين الحزبين، لكن هذه المحاولات “لم تنفع ” وقد تم “وأدها في مهدها”، ويكشف أحد هؤلاء الاصدقاء انه حمل إقتراحاً الى “حزب الله” بترتيب مأدبة عشاء تجمعه مع أحد قادة “الحزب”، لكن الأخير رفض لأن أي حوار مع “القوات” قد يزعج الجنرال ميشال عون.
فتوقفت عقارب الزمن عند ذاك اللقاء اليتيم الذي جمع السيد نصرالله ورئيس حزب “القوات” سمير جعجع الى طاولة الحوار العام 2006. وفي ما بعد صار الحوار محصوراً بين النواب من الجهتين أو بين الوزراء داخل مجلس الوزراء، “أي لقاءات محصورة ببحث مشاريع قوانين نيابية او مشاريع على جدول مجلس الوزراء وما خارج ذلك غير موجود على الاطلاق”. لا يرى “حزب الله ضرورة لأي حوار في الوقت الراهن. في تقدير أوساطه ان الحديث عن اي خطوة مماثلة الهدف منها البعث برسالة الى حليفه “الوطني الحر”، والى حكومة دياب، خصوصاً وان الحديث عن الحوار تزامن مع الحديث عن اعادة فتح جبهة معارضة يدعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري قوامها جعجع – جنبلاط – الحريري، وهو ما يؤكد وفق المعنيين وجود محاولات لعب على وتر الحكومة.
“القوات اللبنانية”
والحديث عن حوار مع “حزب الله” في الظرف الراهن يأتي بالنسبة الى “القوات” خارج السياق العام للتطورات وخارج زمانه. حين اجتمعت “القوات” مع “حزب الله” تحت سقف حكومة واحدة “كنا نردد دائماً ان الجامع الوحيد مع “حزب الله” هو سقف المؤسسات اي البرلمان والحكومة، وخلاف ذلك لا امكانية للتلاقي في ظل الهوة الكبرى الفاصلة بين القوات و”حزب الله” على المستوى الاستراتيجي، حيث لكل منهما رؤيته المختلفة وبالتالي لا لزوم لحوار بين الطرفين لانه لن يؤدي الى اي نتيجة”، يقول مسؤول قطاع التواصل في القوات شارل جبور، الذي يرى ان مسألة الحوار بين الجانبين مرهونة بـ”تبلور ظروف خارجية ايرانية اميركية تدفع “حزب الله” الى تسليم سلاحه الى الدولة اللبنانية” والى حينها، سيبقى ربط النزاع قائماً بينهما، وبناء عليه “هناك قناعة مشتركة لكلا الطرفين ان اي حوار اليوم غير مفيد ولا يؤدي الى اي نتيجة، في ظل هذا التباعد الكبير بين فكرتين وايديولوجيتين ومدرستين ومنطقين وفلسفتين مختلفتين، ولا نعتبر ان مثل هذا الامر يمكن ان يحقق اي شيء ولذلك لا حوار لا من قريب ولا من بعيد ولا تحت الطاولة ولا فوقها ولا مباشر او غير مباشر”.