مقتلة ببعقلين ذبح بالأوزاعي ورضيع في البحر: سقوطنا بالتوحش

المجزرة وقعت ولا من يخبرنا عن تفاصيلها إلا القاتل نفسه

23 أبريل 2020
مقتلة ببعقلين ذبح بالأوزاعي ورضيع في البحر: سقوطنا بالتوحش
نادر فوز
نقلنا مازن حرفوش إلى مستوى آخر من التوحّش. لم يعد مشتبهاً به، ويمكن استبدال م. ح. باسمه الكامل. اعترف بتنفيذ المجزرة. قتل شقيقاه وطفلان وخمسة أشخاص آخرين ببندقية صيد، وفرّ في الأحراج. لكن قبل هذا ذبح زوجته. يقال إنها أولاً “جريمة شرف”.
كيف يمكن ربط جريمة ليس فيها إلا العار بالشرف؟ عيب موروثاتنا وتخلّفنا يطبق علينا من جديد، لكن بفاتورة باهظة هذه المرة. ومن يبحث عن تبرير “الشرف” يمسح عاره بنفسه، ليته يغرق به على أمل أن يفطس من العيب.

امرأة ضحية أولى، انضمت إلى قافلة ضحايا العنف الذكوري وعيوب القوانين والحماية والمنظومة الاجتماعية كاملة. بعد الزوجة، طفلان وسبعة رجال، لا ذنب لهم على الأرجح سوى أنه صودف وجودهم في لحظة توحّش مطلق.

صيّاد بشر
قتل مازن ضحاياه بتركيز قطعي. صوّب عليها كأنه يقتل خنازير برية اعتاد على الكمن لها. لإصابة الخنزير في مقتل يصوّب على قلبه، تحت رقبته وبين رجليه الأماميتين. مهمّة صعبة محفوفة بالخطر، فالخطأ يعني هجوماً متوحشاً مضاداً نصيبه القتل أو الإعاقة.

أما قتل البشر فأسهل، طلقة في الرأس وانتهينا، خصوصاً إن كانت الضحية لم تقدّر أنّ القاتل متوحش. مازن حرفوش، صيّاد يعرف كيف يضبط إيقاع طلقته من دون رجفان في اليد ولا خفقات قلب غير منضبطة. ترجم، حرفياً، عبارة يسوع المسيح لسمعان بطرس وأندراوس “اتْبَعاني أَجعَلْكما صَيَّادَيْ بَشر، متّى 4: 18-22″، وإن بمعنى معاكس قطعاً.

ضد النساء
وإن كان مازن حرفوش صيّاد بشر قد نقلنا فعلياً إلى مستوى عالٍ من التوحش، فإنّ مظاهر هذا التوحش تطرق دنيانا بشكل يومي. وفي موضوع العنف ضد النساء، أقرت الدوائر المعنية أنّ الخط الساخن المخصّص لتلقي شكاوى العنف الأسري في قوى الأمن الداخلي سجّل ارتفاعاً بنسبة 100% في عدد التبليغات عن حالات العنف لشهر آذار 2020 مقارنة بآذار 2019.

هذا عدا الارتكابات الأخرى التي لم يبلّغ عنها، تلك الحالات التي لا ندري بها إلا عندما تسقط الضحية مضرّجة بدمائها. كما بلغ التوّحش حدّ أن عرض أحد المواطنين صبية نيجيرية تعمل لديه للبيع. عدنا إلى زمن الرقّ والعبودية، أقل من 150 سنة إلى الوراء. زمن ليس ببعيد لم يتغيّر فيه الكثير أصلاً.

توحّش مختلف
واليوم، وجد مواطنون رضيعاً مرمياً في كيس نايلون يطفو في البحر. أنقذوه فولدت شخصية جديدة لأسطورة ماوكلي. رضيع ضاع في عالم الغاب. فتوّلت ذئاب طيّبة تربيته، وأنتجت منه أفضل النسخ البشرية الممكنة في ظروف مشابهة.

حيوانات تعتني ببشري، وبشر يقتلون الحيوانات عمداً، بسبب أو من دونه. تسميم الكلاب، والقطط أيضاً، موضة رائجة أعاد فيروس كورونا تعويمها. فنشر آدميون في جوار منازلهم لحماً مسموماً راحت ضحيّته عشرات الكلاب.
هذا توحّش من نوع آخر، ولا يمكن تبريره طبعاً. وفي مشهد آخر، مئات المواطنين يحيطون بمحل لتحويل الأموال، ينهشون عدّاد بطاقات الانتظار، يبيعون أدوارهم وأرقامهم.
توحّش في الإدارة المالية أنتج توّحشاً آخر بين الضحايا. إدارة سياسية جعلت من البلد غابة،  البقاء فيها للأقوى، للأكثر افتراساً وتوحشاً. إدارة أنتجت أزمات متلاحقة لا تنتهي، تدفعنا إلى القتل، ولو أنفسنا، لكن القتل أولاً.
كحال بائع خضار ذبح نفسه في الأوزاعي اليوم.

لا تزال التحقيقات جارية لكشف كامل ملابسات هذه الحادثة. وكذلك ملابسات مجزرة بعقلين وإن كانت الدوافع لا تعني أحداً. فالمجزرة وقعت ولا من يخبرنا عن تفاصيلها إلا القاتل نفسه.

لم ينج منها أحد، ولا رواية إلا رواية الجزّار. قد نضطّر إلى الإصغاء إليه وهو يسرد تلك التفاصيل. عيناه في الأرض مذلولتان. أو ربما سينظر إلينا بوقاحة جزّار متوحّش. قد يشبه توحّشه، توحّش أنظمتنا التي تقتلنا بشتّى الوسائل.

تنظر في أعيننا وترمي حقدها علينا. وبدل “الشرف” عبارات أخرى، “مقاومة”، “وجود”، “تفوّق جيني”، “سيل وزبى” والكثير غيرها. ترمي رواياتها في وجهنا أيضاً، كالقاتل، ولا روايات مناقضة لأنّ أحداً لم ينج.

بودلير، كوبريك وبورتون
“وفيما كنت أعبر الشارع الكبير، على عجل بالغ، وأنا أتقافز في الوحل، عبر هذه الفوضى المتحركة التي يصل الموت خلالها على عجل من كل ناحية في آن واحد، انزلقَت هالتي عن رأسي فجأة وسقطت في وحل حصي الطريق.

لم تؤاتني الشجاعة على التقاطها”. لنتخيّل نص بودلير، ممزوجاً بشخصيات تيم بورتون العجيبة، مع دموية كوبيريك.

سيكون مقطعاً يلخّص واقعنا، مع فارق أننا جزء منه، نعيشه بتفاصيله وفوضاه وموته. نحن الضحايا وثمة من يستمتع بالعرض. ثمة من يشرب كأساً أمام الشاشة ويدّخن سيجارته. ينفضها، وينبهر لحال توحّشنا.

المصدر المدن