الـ”هيركات” في الأفران بدأ منذ شهر ونصف الشهر، يقول رئيس “جمعية حماية المستهلك” زهير برو، موضحاً لـ”أساس” أنّه “ولا ربطة خبز تباع، بوزن 1000 غرام، جميعها وزنها بين 840 غرام و 920 غرام”. وهذا الكلام أكّدته جولة وزير الاقتصاد راوول نعمه مع مراقبي “مديرية حماية المستهلك” على المخابز والأفران، التي كشف في نهايتها عن “وثيقة اتّفاق بين 8 أفران تنصّ على أن يكون وزن ربطة الخبز 900 غرام”، فيما بيعت ربطة الخبز في بعض المناطق بـ1750 ليرة.
في المقابل فإنّ جولة الوزير وصفها نائب رئيس “اتحاد نقابات المخابز والأفران” ورئيس “نقابة المخابز العربية” علي ابراهيم، بالـ” هجمة الشرسة”، معلناً استقالته من الاتحاد والنقابة.
يحكي برّو بغضب عن أصحاب الأفران الذين “يرفضون أيّ حوار حقيقي وكلّ مرة يتهربون”، ويلفت في حديث لـ”أساس” إلى أنّ “الحلّ الوحيد هو اقتراح قدّمناه وطرحته وزارة الاقتصاد، باعتماد جدول تسعير للأفران على نسق جداول تسعير البنزين والغاز”.
قليلون يعرفون أنّ الأفران، الكبيرة والصغيرة، تلتزم بتسعيرة 1500 لربطة الخبز، لكن الأبيض فقط. سعر ربطة الخبز الأسمر يرتفع إلى 2000 أو 2500 أو حتّى 3000. كذلك سعر الكعك “حرّ”، بلا رقابة، وأسعار الكايك والحلوى على أنواعها، رغم أنّها كلّها “يختلط” الأمر فيها، فتصنع من “طحين مدعوم”، وتباع بأسعار سياحية. ولا يوجد آلية رقابة لمعرفة أين يذهب الطحين المدعوم: إلى الخبز الأبيض فقط، أم إلى كلّ مصنوعات الأفران؟
“كارتيل الأفران” رفض هذا الحلّ ورفض النقاش، وبرّو اعتبر أن لا بديل عنه، رغم خطورة تتمثّل في إمكانية إغلاق الأفران التي لا تلتزم وتقليص كميّات الخبز في الأسواق: “الدولة لا يمكن لها ترك الأفران كما تترك المصارف. لا بد أن تضرب يدها على الطاولة”.
بلدية الغبيري ضربت يدها على الطاولة وصادرت الخبز من بعض الأفران، وباعته بالتسعيرة الرسمية. رئيس البلدية معن الخليل ينفي لـ”أساس” وصف “المصادرة”: “بعض الناس حاولوا منع الأفران من إخراج الخبز، فجئنا نحن وأخرجنا الخبز من الأفران وقمنا بتوزيعه على المحلات وفق التسعيرة القديمة”. ويكمل: “لن نستبق القرارات والاجتماعات. الأفران في نطاق بلدية الغبيري ملتزمة حالياً، وسيتمّ تطبيق قرارات وزارة الاقتصاد، فهي مرجعيتنا في التسعير. وأيّ تلاعب بالأسعار يعتبر غشّاً ونحن سنتعامل معه على هذا الأساس”.
بلدية الغبيري “أحسنت التصرّف”، بحسب برّو، أمام “دلع الأفران”. تلك التي “تقاضت لسنوات الأموال من الدولة اللبنانية، ومعظمها، وخصوصاً الأفران الـ4 الكبرى، شيّدت فروعاً إضافية من دعم بملايين الدولارات” من جيوب الناس والضرائب.
قليلون يعرفون أنّ الأفران، الكبيرة والصغيرة، تلتزم بتسعيرة 1500 لربطة الخبز، لكن الأبيض فقط. سعر ربطة الخبز الأسمر يرتفع إلى 2000 أو 2500 أو حتّى 3000. كذلك سعر الكعك “حرّ”، بلا رقابة، وأسعار الكايك والحلوى على أنواعها، رغم أنّها كلّها “يختلط” الأمر فيها، فتصنع من “طحين مدعوم”، وتباع بأسعار سياحية. ولا يوجد آلية رقابة لمعرفة أين يذهب الطحين المدعوم: إلى الخبز الأبيض فقط، أم إلى كلّ مصنوعات الأفران؟
رئيس “الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين” كاسترو عبد الله في حديث لـ”أساس” يرفض حجج أصحاب الأفران: “يحاولون تحميل ربطة الخبز تكاليف صيانة أفرانهم”، ويسأل: “أين الكعك والمناقيش والبيتي فور والحلويات التي يصنعونها من الطحين المدعوم؟”، ويتحدّث عن غشّ بالوزن يصل إلى 200 غرام في كلّ ربطة. ويشير إلى “انخفاض سعر المازوت” وإلى أنّ “135 فرناً يدفع تكاليف موظفيه في صندوق الضمان الاجتماعي من أصل 215 فرناً”، ويتّهم الأفران بالتلاعب في مستحقّات “الضمان الاجتماعي” وبتشديد ظروف العمل على العمّال طمعاً بأرباح خيالية: “أكبر فرن يدفع 250 أو 400 ألف ليرة شهرياً للضمان الاجتماعي، ويسجّلون في الضمان أشخاص لا علاقة لهم بالأفران من أقربائهم ومعارفهم، ولا يمنحون العمال رواتب العائلة والعطل السنوية والإجازات الأسبوعية، ودوام العمل اليومي يزيد عن 10 ساعات”. ويخلص إلى أنّ “هذا الكارتيل يسرقنا بالوزن وبالسعر. واليوم لا ربطة خبز في السوق تتجاوز الـ800 غرام”.
نقيب الأفران في طرابلس والشمال طارق المير يرفض كشف الخطوات المقبلة، لكن عن “الأرباح خارج الخبز الأبيض” يوضح أنّ “الوزير سعّر فقط ربطة الخبز 1000 غرام بـ1500 ليرة، وكل سوبرماركت لديها سلع تبيعها وتربح فيها”. ويتحدّث عن “ارتفاع سعر النايلون مقابل انخفاض سعر المازوت”.
الوزارة لا تقبل بأن يخسر أصحاب الأفران، ولن تسمح باستغلال الناس، وكل ما طلبه الوزير هو إظهار فواتير شراء المواد الأولية التي توضح المظلومية التي يدّعونها
“كارتيل الأفران” حاول خلال الساعات الـ48 ساعة الماضية أن ينقل المعركة بينه وبين وزارة الاقتصاد إلى معركة بينه وبين موزّعي الخبز والمحال التجارية. إذ فوجئ الموزعون برفع سعر ربطة الخبز (التي من المفترض أن تزن 1000 غرام) من 1100 ليرة إلى 1250 ليرة.
ويوضح كاسترو لـ”أساس” أنّ أصحاب الأفران يحاولون فرض سعر 1750 ليرة كأمر واقع لأنّ “جزءاً كبيراً من الموزّعين هم موظفون لديهم”. وفيما يؤكد كاسترو على دعم تحرّك الموزعين الذين يعملون لحسابهم وليسوا موظفين لدى الأفران الكبرى، يشير إلى أنّ “الأفران الكبرى تستحوذ على أكثر من 50 إلى 60 % من السوق اللبناني، بينما هناك فقط 200 فرن تستحوذ على أقلّ من نصف السوق”.
وعن الخطوات المقبلة يوضح كاسترو أنّ هناك طلباً قدّم إلى وزارة العمل “لتحريك أجهزة التفتيش وتنظيم محاضر ضبط للعمال غير اللبنانيين الذين ليس لديهم إجازات عمل ولا إقامات”، مطالباً وزارة الاقتصاد بـ”عدم الخضوع للابتزاز ووضع اليد على الأفران، كما وضعوا اليد على موتيرات الكهرباء عندما خالفت تسعيرة وزارة الاقتصاد حين كان رائد خوري في وزارة الاقتصاد والنائب المشنوق في الداخلية” .
مصدر في وزارة الاقتصاد يوضح لـ”أساس” أنّ الأفران التي لن تلتزم ستتعرّض “لحجز الخبز بحسب القانون، بعد التواصل مع المدّعين العامين، وذلك في حال لم يُضرب أصحاب الأفران”، لافتاً إلى أنّ “لا سيناريو مطروحاً في حال الإضراب”. وبحسب المصدر تمّ التواصل مع القضاء “لتسهيل بموضوع الحجز والمصادرة كون الخبز سلعة أساسية، فوزارة الاقتصاد صلاحيتها محدودة في هذا الاتجاه”. وعلم “أساس” أنّ بعض القضاة تجاوبوا والبعض الآخر رفض.
المصدر نفسه أكّد أنّ “الوزارة لا تقبل بأن يخسر أصحاب الأفران، ولن تسمح باستغلال الناس، وكل ما طلبه الوزير هو إظهار فواتير شراء المواد الأولية التي توضح المظلومية التي يدّعونها”، لافتاً إلى أنّ “المديرية العامة لحبوب الشمندر والسكري بصدد وضع آلية لمعرفة كمية الطحين التي يجب أن تمنح لكل فرن، فالدولة ليست مضطرة لدعم البيتي فور ولا المنتجات الأخرى التي تباع بأسعار تنافسية”.