هل يمكن إقالة سلامة من الناحية القانونية؟
تحكم هذه المسألة المادة 19 من قانون النقد والتسليف التي لا تجيز إقالة الحاكم إلّا لأسباب محدّدة كما ورد في نص المادة “فيما عدا حالة الاستقالة الإختيارية، لا يمكن إقالة الحاكم من وظيفته إلّا لعجز صحي مثبت بحسب الأصول أو لإخلال بواجبات وظيفته في ما عناه الفصل الأول من الباب الثالث من قانون العقوبات، أو لمخالفة احكام الباب 20، او لخطأ فادح في تسيير الاعمال.”
هل يشكّل اتهامهم لسلامة تحقيقًا لمقتضيات هذه المادة ؟ وأيّ مخرج قانوني يحضّرون لإقالته؟
ليس سرًّا أنّ فريق رئيس الجمهورية يتحيّن الفرص للحظة إقالة سلامة، من باب تحميله كل تبعات الإنهيار المالي، وتحويله كبش محرقة وتعيين أحد المحسوبين على العهد مكانه، وكذلك حزب الله، حتّى أنّ البعض يشير إلى دور لحزب الله في ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية وخلال أيام قليلة، عبر تحريك الحزب لسوق الصرّافين، بقصد إظهار أنّ تعاميم سلامة تسبّبت بإرتفاع سعر الصرف. وبالتوازي كانت الرسائل الميدانية المشفّرة في الشارع تفعل فعلها التحضيري.
بدت اللحظة المالية الدولارية المأزومة ملائمة في توقيتها للإطاحة بسلامة، فنشطت الإتصالات عشية جلسة بعبدا الحكومية، وعلى أعلى المستويات، وشرعت المطابخ ” القانونية” الشهيرة في هذا المضمار، بتحضير مخرج قانوني لإقالة سلامة، ينطلق من مبدأ أنّ الجهة التي عيّنت سلامة هي مركز القرار السياسي في البلد المتثمل بالسلطة التنفيذية، وبالتالي يمكن لهذه السلطة أي مجلس الوزراء أن تقليه. وإن كان هذا المخرج يتعارض مع المادة 19 من قانون النقد والتسليف، ولكن لا بأس في بلد تسخير القانون للكيدية السياسية والمالية، وليفعل سلامة ما بوسعه، ويمكنه أن يقدّم طعنا أمام مجلس شورى الدولة. وبدا لهذه القوى الحاكمة أنّ الأرضية الشعبية مناسبة لتسخيرها لإقالة سلامة، لاسيّما وأنّ جزءًا من الرأي العام يحمّل سلامة مسؤولية انهيار سعر الصرف إلى جانب السياسات المالية الحكومية.
كلّ الإحتمالات بُحثت في اتصالات ليل الخميس، وجرى نقاش مفاده، هل نكتفي ببالون الإختبار هذا، أي التلويح بالإقالة من باب التخويف والتطويع، أم نذهب إلى النهاية، ونطرح فكرة إقالته في الجلسة؟ وعندها قد يؤخذ القرار النهائي بشأنه في جلسة الجمعة أو في جلسة لاحقة ؟ كلّها أفكار بحثت في كواليس ليلة الجلسة، وبقيت قائمة حتّى ساعة متقدّمة من ليل الخميس. ولكن القرار لم يتخذ بإقالته.
مصادر مطّلعة كشفت لـ”لبنان 24″ عن ملحق حُضّر لجدول أعمال مجلس الوزراء، بحيث تمّ تضمينه بندًا، وبناءً عليه تقدّم وزيرة العدل ماري كلود نجم رؤية لمكافحة الفساد، تأتي ترجمة لما كان قد طالب به باسيل منذ أيام، تحت عنوان مكافحة الفساد، ككشف الحسابات والأملاك، والطلب من الضابطة العدلية التدقيق في بعض الممتلكات، تكون مدخلًا لرفع السرية المصرفية قبل الذهاب بملفات معينة “غب الطلب” إلى القضاء. ويتم تشكيل لجنة برئاسة مدير عام وزارة المال الآن بيفاني، المعروف بإنتماءاته، وهنا بيت القصيد، فالتدقيق والمحاسبة وتركيب الملفات سيكون على قاعدة استنساخ “الإبراء المستحيل”، ليطال هذه المرة قوى سياسية في البلد، أخافهم اصطفافها الأخير بوجه العهد وحكومته، وكان لا بدّ من خطّة محكمة تجعل المعارضة السياسية في موقع الدفاع بدل الهجوم. والعين على رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي فجّر في الأسبوع الماضي معارضته بعد انتهاء الفرصة التي منحها لحكومة فشلت في وضع خطّة إنقاذية، بعدما تجاهلت خطة ماكيزي وورقة الإصلاحات التي أُقرت في آخر ساعات الحكومة السابقة. فأطلق توصيفاته باتجاه رئيس الحكومة “الحاقد”، وقد يكون هنا التوصيف من باب عم أحكي يا حسان تتسمع يا من تقف وراء حسان. فالحقد بحسب توصيف المصادر هو سمة تمسّك بها باسيل في تعاطيه السياسي مع الزعامة الجنبلاطية، بحيث لم يترك مناسبة من دون نبش قبور الماضي، وحادثة قبرشمون أبرز دليل. في حينه لم يتمكن هذا الفريق مدعومًا بـ”أزلام النظام السوري” من تطويع جنبلاط والإنتقام منه، وبالتالي لما لا يكون الإنتقام من باب آخر بدأت ملامحه ترتسم.
في هذا الإطار تعتبر المصادر أنّ رائحة تصفية حسابات وضعت على نار حامية، فالمشكلة ليست في التدقيق المالي وهو مطلب، بل بدوزنة التحقيق المالي وفق أحقادهم وتصفية حساباتهم مع بعض القوى السياسية، لاسيّما المعارضة لنهج عهد العماد ميشال عون، وهكذا يمكنهم الإنتقام من هذه القوى وفي الوقت نفسه إسكات الأصوات المعارضة وإلهائها بالدفاع بدل الهجوم.
بالعودة إلى تحضيرات الجلسة الحكومية، كشفت المصادر أنّ البنود التي أُدرجت بملحق جدول الأعمال، وعلى رغم طابعها المالي، قفزوا بها فوق وزير المال غازي وزني، ولم يأخذوا برأيه لا بل دسّوها من دون علمه. وفي مرحلة لاحقة من ليل الخميس توسّعت مروحة الإتصالات لتشمل الثنائي الشيعي، خصوصًا وأنّ القفز فوق وزارة المال وما تعنيه بالنسبة للرئاسة الثانية، يطرح علامات استفهام لدى الرئيس نبيه بري، ولن يكون بمقدورهم تجاوزه. مع الإشارة إلى أنّ بري لا يلاقي حزب الله مع معركته مع الحاكم.
بمحصلة الإتصالات لم يتخذ قرار بإقالة سلامة، على رغم إرسال إشارة تهديد واضحة، كما أنّ “حزب الله” لم يشأ الذهاب بهذا الملف إلى الإقالة، خوفًا من تداعيات هذه الخطوة على البلد، وتعريضه لأزمة كبيرة.
قد يُرجىء الفريق الحاكم مغامرته إلى أجل لاحق، ولكنّ السؤال هل بالنكايات وتصفية الحسابات وحروب الإلغاء يصطلح البلد ويتفادون الإنهيار الشامل؟ أمّ بخطّة إنقاذية إصلاحية حقيقية متكاملة، لا تنتقي من الملفات وتستثني ما يريد هذا وذاك، ولا تنأى بهدر مليارات الكهرباء وغيرها عن المحاسبة، ألم يتعظوا من التاريخ القريب والبعيد؟