كان لافتاً جدا تبنّي التيار “الوطني الحر” للحرب الاعلامية والسياسية التي تهدف الى محاولة اسقاط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بمعزل عن الاسم الذي سيرشّحه لخلافته، لكن الغريب في الموضوع ان التيار لم يكن يوما، لا سيما في السنوات الاخيرة، معارضاً لسياسة سلامة، بل على العكس تماما، إذ بدا آنذاك متماهياً معها واكثر، حيث كان من اوائل الذين صوّتوا على التمديد له لولاية جديدة، الأمر الذي من شأنه أن يُسقط فرضية جديّة “الوطني الحر” بإقالة سلامة بهدف الاصلاح المالي والاقتصادي.
فما هي غاية “العهد” من الحملة الشرسة التي يخوضها بوجه “الحاكم”؟
وفق مصادر مطّلعة، فإنه لا يخفى على القاصي والداني أن “الوطني الحر” يسعى الى إزاحة سلامة من منصبه وتعيين شخصية أخرى، الا ان العداء التاريخي بين “الحريرية السياسية” ورئيس الجمهورية ميشال عون العائد الى حقبة التسعينات، تظهر شرارته اليوم من جديد، حيث أن الخصومة السياسية التي تلاشت تدريجيا في فترة ماضية مع سحب كتاب “الابراء المستحيل” وصولا الى “التسوية الرئاسية” دفعت بالطرفين للعضّ على الجرح تماشياً مع الامر الواقع، غير ان النفور بقي مستيقظا في اللاوعي “العوني”، وبقي معه العداء لرموز “الحريرية” قائما ومع الموظفين البارزين الذين يشكلون مدماكاً رئيسيا لها.
لم يستطع “الوطني الحر” كبح جماح الحقد المتجذّر طيلة اعوام، فكان بين الحين والاخر يشنّ هجوماً ممنهجاً على الأطراف المحسوبة على “الحريرية” في لبنان، بدءًا بالأمين العام السابق لمجلس الوزراء الراحل سهيل بوجي، مرورا برئيس مجلس ادارة شركة طيران “الشرق الاوسط” محمد الحوت، حيث سعى التيار الى مقاسمته منصبه مع موظف “عوني”، الامر الذي لم يلق ثماره آنذاك، وذاب مع لفحة “التسوية الرئاسية” ليعود من جديد الى الواجهة بعد فكّ رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري ارتباطه بها. واليوم يبدو أن منصب “الحاكم” قد أينع، وحان قطافه!
مما لا شك فيه أن استقالة الحريري من الحكومة بُعيد انطلاق حراك 17 تشرين، وتحييد نفسه عن سهام الانتفاضة الشعبية، ساهم في تعميق هوّة الحقد مع “الوطني الحر” الذي اعتبر أن الاول قفز من المركب الغارق الى ضفّة الأمان تاركاً “العهد” خلفه درعاً وحيداً للسلطة في مواجهة الشارع، ما أدى الى تشظّيه وعرقلة مساره في تلك الآونة.
من هنا، ترى المصادر أن “الوطني الحر” سيسعى في المرحلة المقبلة الى الثأر من الحريري الذي وجّه له ضربة قاسية هزّت قواعده وأربكته طوال أشهر في الشارع اللبناني، وذلك من خلال دعم جهود إقالة سلامة وغيرها من القرارات الجذرية التي رأى فيها “تيار المستقبل” انقلاباً!
وختمت المصادر بأن “الوطني الحر” الذي تراجع بشكل ملحوظ بعد التصويب الشعبي تجاهه بصورة مباشرة، يتلو اليوم عملياً ما يمليه عليه “حزب الله”، إذ أن الاخير يبدو القوة السياسية الوحيدة القادرة على حمايته ودعم استمراريته، ما سيدفع بالتيار الى تقديم خدمات مطلوبة وغير مطلوبة من خلال مهاجمة سلامة وغيره، ودعم الحكومة بالمطلق رغم الملاحظات التي يبديها الوزير السابق جبران باسيل، الا انه يجد نفسه مضطرا الى ذلك تنفيذاً لرغبة “حزب الله“!