الراعي: من المستفيد من زعزعة حاكمية مصرف لبنان؟

26 أبريل 2020
الراعي: من المستفيد من زعزعة حاكمية مصرف لبنان؟

اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، انه لا يمكن تأمين الاستقرار الداخلي باعتماد الاقصاء أو التفرد أو التذويب.

كلام الراعي جاء خلال ترأسه قداس الأحد في كنيسة السيدة، في الصرح البطريركي، في بكركي، بمشاركة لفيف من المطارنة والكهنة والراهبات.

وبعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “سار يسوع معهما، واستمع لهما، ثم فسر لهما الكتب، فاضطرم قلبهما”.

قال فيها: “تحت صدمة الصلب، غادر تلميذان منهم أورشليم بعد ظهر الأحد عينه، على الرغم من تسرب خبر قيامة يسوع، وفيما هما يسيران مكتئبين، ويتحادثان بشأن الحكم عليه بالموت صلبا، وتحطيم رجاء الشعب كله،إذا بيسوع الحي الدائم، يقترب منهما ويسير معهما.

ومن بعد أن استمع لهما، وهما يسردان سبب غمهما بشأن صلب يسوع، الرجل النبي القدير بالقول والفعل قدام الله والشعب كله (الآية 19)، راح يفسر لهما ما يتعلق به في كل الكتب من موسى إلى جميع الأنبياء.

ومن بعد أن عرفاه عند كسر الخبز وغاب عنهما، قال الواحد للآخر: أما كان قلبنا مضطرما فينا، حين كان يكلمنا في الطريق ويشرح لنا الكتب؟ وللحال رجعا إلى أورشليم لينقلا بشرى قيامته (الآيات 27-32)”.

أضاف: “يسعدني وإخواني السادة المطارنة وسائر أعضاء الأسرة البطريركية في بكركي أن نحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية، وأنتم أيها المشاهدون تشاركون معنا فيها من خلال محطة تيلي لوميار – نورسات ومحطات تلفزيونية أخرى مشكورة.

إن وباء كورونا المتفشي والمتسبب بمئات الألوف من الضحايا في العالم، أرغمنا على إقفال الكنائس، وحرم المؤمنين من تشكيل الجماعة المصلية والملتئمة حول المسيح للإحتفال بذبيحة الفداء وتناول جسده ودمه للحياة الجديدة.

ولكن هذا الإرغام الخارجي فتح بالمقابل قلوب المؤمنين على أساس المسيحية وجوهرها، وهو العلاقة الشخصية مع الله الذي هو مصدر وجودنا وفرح حياتنا.

أجل، إن إغلاق الكنائس مناسبة فريدة لندخل في حوار مع الله الساكن في داخلنا ولنغير قلوبنا، ولتصير على مثال قلب الله (المطران كيريللس سليم بسترس: من الكنائس المغلقة إلى الكنائس البيتية”.

وتابع: “اعتمدت الكنيسة في راعويتها نهج المسيح هذا: ترافق، وتصغي، وتشرح، وتساعد على التمييز في ضوء كلام الله، معتمدة حادثة الرب يسوع مع تلميذي عماوس.

ولقد اعتمدته في النداء الختامي لسينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وفي السينودس الخاص بالزواج والعائلة والارشاد الرسولي فرح الحب، وفي وثيقة الخطوط العريضة الاعدادية للسينودس الخاص بالشبيبة.

ولأن كلمة الله صار بشرا بشخص يسوع المسيح الذي هو هو أمس واليوم وإلى الأبد (عب8:13)، فإنه حي بكلامه وينير كل إنسان في دروب حياته. فيرافقه ويصغي إليه ويساعده على قراءة الأحداث الشخصية والعامة، وعلى تمييز دعوته ودوره في الحياة، لا مرة واحدة، بل دائما الآن وهنا”.

وقال: “هذا النهج مطلوب في الحياة الزوجية والعائلية، وفي حياة الجماعة، على مستوى الكنيسة والمجتمع والدولة. لا يمكن أن تستقيم حياة أي جماعة وتنعم بالاستقرار من دون نهج المرافقة والإصغاء والحوار والتمييز الذي يؤدي إلى رؤية واضحة.

في الحياة الوطنية التفرد والإقصاء يؤديان إلى الصراع السياسي وهذا يؤدي إلى النزاعات، أما الفكر السياسي فإلى الرؤية الجامعة.

إن لبنان الأمة المؤلفة من مجموعات غير متجانسة دينيا وثقافيا، اعتمد في نظامه، دستوريا وميثاقيا، الحوار وصيغة المشاركة المتوازنة والمحافظة على ثقافة كل مجموعة من مجموعاته وعاداتها وتقاليدها ودورها في الحياة العامة، ومساواتها مع غيرها، والحفاظ على العرف في الدولة.

فلا يمكن تأمين الاستقرار الداخلي باعتماد الاقصاء أو التفرد أو التذويب. هذا ما اشتكى منه في الآونة الأخيرة إخوتنا الارثوذكس، وطالبوا برفع الغبن الذي لحق بهم من جراء التعيينات الإدارية، لا من باب المحاصصة بل من باب المشاركة الفاعلة والاغتناء المتبادل.

فلبنان كالفسيفساء إذا رفع حجر منها اعتلت كلها. هكذا إن اعتلال أي مكون في عائلة الوطن هو اعتلال للوطن برمته”.

أضاف: “من نتائج هذا النهج الإنجيلي وثقافته المسيحية تمييز لبنان عن غيره من البلدان المجاورة بنظامه الديموقراطي البرلماني الليبرالي، فلم يسقط لا في الديكتاتورية ولا في التوتاليتارية.

بل نجح في المحافظة على هذا النظام في قلب الثورات العربية. ومن أبسط قواعده اعتماد الحوار والسماع قبل الاتهام وإصدار الحكم، كما جرى أمس الأول بحق حاكم مصرف لبنان.

وثمة قضاء للنظر في النزاعات يجب الرجوع إليه، راجين أن يكون مستقلا وبعيدا من تدخل السياسيين. وفيما كنا ننتظر من رئيس الحكومة إعلان خطتها الإصلاحية العادلة واللازمة، التي تختص بالهيكليات والقطاعات، والتي من شأنها أن تقضي على مكامن الخلل الأساسية والفساد والهدر والسرقة والصفقات والمرافق والنهب حيث هي، وفيما كنا ننتظر منه خطة المراقبة العلمية والمحاسبة لكل الوزارات والإدارات والمرافق العامة، فإذا بنا نفاجأ بحكم مبرم بحق حاكم مصرف لبنان، من دون سماعه وإعطائه حق الدفاع عن النفس علميا، ثم إعلان الحكم العادل بالطرق الدستورية.

أما الشكل الاستهدافي الطاعن بكرامة الشخص والمؤسسة التي لم تعرف مثل هذا منذ إنشائها في عهد المغفور له الرئيس فؤاد شهاب، فغير مقبول على الإطلاق”.

وتابع: “نسأل: من المستفيد من زعزعة حاكمية مصرف لبنان؟ المستفيد نفسه يعلم! أما نحن فنعرف النتيجة الوخيمة وهي القضاء على ثقة اللبنانيين والدول بمقومات دولتنا الدستورية. وهل هذا النهج المغاير لنظامنا السياسي اللبناني جزء من مخطط لتغيير وجه لبنان؟ يبدو كذلك! إن هذا الكرسي البطريركي المؤتمن تاريخيا ووطنيا ومعنويا على الصيغة اللبنانية، يحذر من المضي في النهج غير المألوف في أدبياتنا اللبنانية السياسية”.

وختم الراعي: “إننا في زمن القيامة، مع الإخوة المسلمين في شهر رمضان المبارك، نرفع معا صلاتنا إلى الله من أجل حماية وطننا لبنان وشعبه في ثقافته وتقاليده، ومن أجل شفاء جميع المصابين بوباء الكورونا عندنا وفي العالم كله، راجين من الله القدير إبادة هذا الوباء وإخراج وطننا والكرة الأرضية من الشلل الحاصل”.

المصدر الوكالة الوطنية للإعلام