كتبت صحيفة “الراي”: “… إن الكرسيّ البطريركي المؤتمَن تاريخياً ووطنياً ومعنوياً على الصيغة اللبنانية، يحذّر من المضيّ في النهج غير المألوف في أدبياتنا اللبنانية السياسية”. هكذا رَفَع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “عصاه” أمس في وجْه “مخططٍ لتغيير وجه لبنان” ونظامه الديموقراطي البرلماني الليبرالي.
وجاء هذا الموقف المدوّي النادر في صياغته التي تستشعر “خَطَراً وجودياً” على الكيان اللبناني والتي لا تلجأ إليها بكركي إلا بمحطاتٍ مفصلية، كأنه يزيل الغبارَ عن “الأهداف الكبيرة” للحربِ المفتوحة من الحكومة ورعاتِها على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والقطاع المصرفي على تخوم الانهيار المالي ومحاولات تَلَمُّس طريق الإنقاذ.
فالراعي وخلال عظة الأحد، فاجأ الجميع في ما يشبه نداءً” استُحضرت معه مواقف للكنيسة في منعطفات تاريخية، معلناً “فيما كنا ننتظر من رئيس الحكومة (حسان دياب يوم الجمعة) إعلان خطتها الإصلاحية التي من شأنها أن تقضي على مكامن الخلل والفساد والهدر والسرقة، وفيما كنا ننتظر منه خطة المراقبة العلمية والمحاسبة لكل الوزارات والإدارات والمرافق العامة، فإذ بنا نفاجأ بحكم مبرم بحق حاكم مصرف لبنان، من دون سماعه وإعطائه حق الدفاع عن النفس علمياً، ثم إعلان الحُكْم العادل بالطرق الدستورية”، مؤكداً “أن الشكل الاستهدافي الطاعن بكرامة الشخص والمؤسّسة التي لم تعرف مثل هذا منذ إنشائها في عهد المغفور له الرئيس فؤاد شهاب، غير مقبول على الإطلاق”.
وسأل “مَن المستفيد من زعْزعة حاكمية مصرف لبنان؟ المستفيد نفسه يعلم! أما نحن فنعرف النتيجة الوخيمة وهي القضاء على ثقة اللبنانيين والدول بمقوّمات دولتنا الدستورية. وهل هذا النهج المُغايِر لنظامنا السياسي اللبناني جزء من مخطّط لتغيير وجه لبنان؟ يبدو كذلك (…)”.
وشكّل كلام الراعي “صعقةً” للواقع السياسي في لبنان الذي كان انتقل قبل ثلاثة أيام إلى ذروة التأزم مع إطلاق إشارة بدء مسار الإطاحة بحاكم “المركزي” على لسان دياب بعد جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون، عبر توجيه “مضبطة اتهام” لسلامة على خلفية أداء مصرف لبنان المالي والنقدي وتحميله أخيراً وزْر «استسلام» الليرة أمام الدولار.
ولاحظتْ أوساطٌ مطلعة عبر “الراي” أن اندفاعةَ الكنيسة أتت فيما كانت قراءة المعركة على سلامة تراوح بين حدّيْن: الأول اعتبار أنها ترمي لتحويله “كبش محرقة” كبدَل عن ضائع عنوانه الأزمة المالية وعدم نجاح الحكومة حتى الساعة في إنجاز خطة النهوض. والثاني التعاطي معها على أنها تمهيد لـ «انقلابٍ» يقوده “حزب الله” من الخلْف على هوية لبنان المالية ولعمليةٍ “انتقامية” من المعارضة من ضمن مسارِ إكمال “الإطباق” على مَفاصل القرار في البلاد والإمساك بكل “مفاتيحها” السياسية والمالية.