إذا وقعت الحرب!

27 أبريل 2020
إذا وقعت الحرب!

تحدّد سعر الصّرف الرّسمي لدى الصرافين بما يفوق ثلاثة آلاف ليرة. البلوك رقم 4 لا يحتوي على المأمول منه، إلا اذا صّدقنا جبران باسيل، بأن فيه ما يكفي حاجة لبنان لأربع سنوات من الغاز الطبيعي. ثم تظاهرات وقطع طرقات، وتصريحات وإتهامات متبادلة، ومنذ أمس، تداول فيديو يعيد إلى أذهاننا الحرب الأهلية.
حسناً. اللبنانيون يشعرون إذاً أن الحرب ربما باتت على الأبواب. لكنهم لا يعرفون أنها إن حصلت، فلن تكون على شاكلة ما خبره أهلنا وأجدادنا.
لن يكون هذه المرة أي إنقسام بين طرفين يرفع كل منهما شعارات طنانة، بانت حقيقتها مع مرور الوقت، بل ما يشبه كانتونات طائفية وحتى مناطقية تتقاتل على اللاشيء.
أو في أحسن الأحوال قتال على مكاسب آنية، تحوّل بلادنا الى مساحة لحروب صغيرة على شطرنج الكبار.
إذا وقعت الحرب التي يبشرنا بها البعض، سنكون أكثر شراسة، ولن يرحم أحد منا أحداً. لن يعفو مسلح عن مسلّح لأن أحدهما يحمل “قضية” تمنعه من إمتهان القتل لمجرد القتل. سنصير كلنا قتلة من النوع الرخيص، وستصبح حيواتنا أرخص مما نتصور.
صحيح أن حيواتنا هذه يبدو أنها رخيصة جداً اليوم، لكنها ستضحي بلا أي قيمة، عند زعماء المحاور وسادتهم.
المجد سيكون للمال وحده، لا لله في العلى، ولا للوطن المشتهى، ولا للعدالة التي نصرخ مطالبين بها وسع حناجرنا. سيكون المال هو السيد، والمال لا يعترف ببنين، ولا بعائلات ولا أبرياء. المال ينشد ما يجعله ينمو ويتطاول.
إذا وقعت الحرب، سيتكاثر الزعماء. زعماء المناطق والأحياء والمدن والبلاد. لن نرفع صورة “الزعيم الرمز”، لأن غيره من القادة سيبرزون، ويجبروننا على تمجيدهم لأنهم يملكون رقابنا بسيوف أسلحتهم، ولأنهم قبل الحرب كانوا منبوذين.
اذا وقعت الحرب سنجوع اكثر. وقد نأكل بعضنا بعضاً قبل أن ينهش لحمنا الرصاص. واذا “فتح” الله على أحدهم، فلن يكون الا بعد تطوعه أن يعيش من إقتصاد الحرب. ان يكون مسلحاً، او قاتلاً مأجوراً، او زعيماً لشلة مسلحين يسطون على الارزاق، او يفرضون خوات على الفقراء، او بالدعارة والمخدرات وإغراقنا بالنفايات السامة المستوردة.
اذا وقعت الحرب، ستسقط كل الشعارات. ستدوس الناس على صور الرموز التي قدسوها لعقود، جهلاً لا عقلاً، وطمعاً لا محبة، وخوفاً لا طوعاً، الا في ما ندر. سيبحث هؤلاء عن أول فرصة ليثبتوا وجودها ويخرجوا من سجون القهر التي كانوا فيها. سيصرخون: “نحن هنا”. سينتفضون في وجه الجميع طمعاً بحريتهم، لكن كما هي لوثة السلطة، سيسلبون غيرهم حريتهم، ونعاود الكرّة من جديد.
اذا وقعت الحرب، سيوضب الميسورون وحرامية البلد الكبار أغراضهم ويرحلون. سيتفرجون علينا من بعيد ونحن نسفك دماء بعضنا البعض ويضحكون. سيتنعمون بالمال الذي نهبوه ويرفعون أنخاب انتصارهم.
لأننا لم نقف صفاً واحداً. لاننا لم نسترد حقوقنا. لاننا لم نتخل عن طائفيتنا. لاننا نشكك في كل من يتحرك رافعاً مطالبنا، لأننا لا نواجه كما تفترض فينا المواجهة.