الغضب الشعبي انفجر: لا سلمية بعد الآن

28 أبريل 2020
الغضب الشعبي انفجر: لا سلمية بعد الآن
نسرين مرعب

“يا ويلكم من الله ومن غضب الناس”، تقول امرأة عجوز شاركت المتظاهرين صرختهم ليل أمس في طرابلس. “الدولار صار بـ4000 وما معي غير 20 ألف بجيبتي، يقول رجل آخر” في وسط بيروت، وهو ربّ أسرة فقد عمله فبات عاجزاً أمام أطفال لا يعرفون لا بسعر الصرف، ولا بالهندسات المالية، ولا بجشع الطبقة الحاكمة.

هي ليست ثورة جوع، كما يحاول البعض أن يصوّرها، هي “ثورة الكرامة”، في وجه السياسيين والحكومة والمصارف التي أمعنت في إذلال الناس، وإفقارهم، ومحاربتهم حتّى في قوتهم اليوم.

الثورة التي تراجعت وتيرتها خلال الشهرين الماضيين، وانكفأت بعد موجة فيروس الكورونا، عادت ليل أمس الأول. والغضب الشعبي الذي قيّده الوباء لشهرين، انفجر مجدداً وبصورة أكثر عنفاً. فامتلأت الشوارع مرّة ثانية بثوارها، وما بدأه المتظاهرون أمس الأوّل في بيروت وطرابلس والبقاع، تابعوه اليوم في الضاحية الجنوبية والمدينة الرياضية والنبطية والذوق والضبية وكلّ المناطق والشوارع التي اعتدنا على أسمائها بعد 17 تشرين الأوّل 2019، وهذا على الرغم من القبضة الأمنية التي ما تركت وسيلة إلاّ واعتمدتها لقمعهم، وعلى الرغم من التعامل القاسي من قبل الجيش وقوى الأمن الداخلي.

“العودة بديهية فالوضع الاقتصادي والمعيشي وصل لمكان لا يحتمل”، يقول الناشط في مجموعة “لحقّي” ماهر أبو شقرا. ويعتبر في حديث لـ”أساس” أنّ “عدم النزول إلى الشارع بات رفاهية، فبين الموت بالكورونا والموت جوعاً من الطبيعي أن تصل الأمور إلى هذا الحد. إذ لا حلّ ثانياً أمام الشعب”.

مجموعة “لحقّي”، التي كانت فاعلة في 17 تشرين، لم تتوقف بسبب الكورونا، بل عدّلت نشاطها وفق الأزمة، فشاركت بالعديد من الحملات والمبادرات، بما لا يتعارض مع حال التعبئة وتعريض الناس للخطر.

“الموجة الثانية من الثورة ستكون أقوى بسبب الظروف”، بحسب أبو شقرا، مشدّداً على أنّهم لا ينفصلون عنها إذ بدأوا بالتفكير في الخطوات المقبلة، ولكن في النهاية “الثورة يقودها الناس وليس المجموعات أو التنظيمات السياسية”.

وعند سؤاله عن مشاركة أحزاب السلطة ودورها، يجيب أبو شقرا: “من يعتقد أنّ الأحزاب الحاكمة لن تتدخل لمحاولة استثمار هذا الغضب، فهو لا يفهم المنظومة ، ومن يعتقد أن هذه الثورة هي مؤامرة من قوى السلطة ضد بعضها، فهو لا يفهم الناس”، مشيراً إلى أنّ “محاولة استغلال التحرّكات أمر طبيعي، ولكن الغالبية الساحقة من الناس مدفوعة بالوضع المزري والشقاء المادي”.

الجولة الثانية من الثورة تبدو أكثر عنفاً من تحركات 17 تشرين، فقنابل المولوتوف أحرقت واجهات عدد من المصارف في أكثر من منطقة، والمتظاهرون “لا يتنّزهون” ما دفع البعض إلى وصف المرحلة بـ”العنف الثوري”. وقد أعلنت جمعية المصارف منتصف الليل عن إقفال كلّ الفروع في طرابلس إلى حين استتباب الأمن.


الثورة عادت، وهذه المرّة ليست سلمية على ما يبدو


أبو شقرا وفي تعليقه على هذه الأجواء، يقول: “العنف الثوري ليس سلوكاً ، إذ لا أحد ينادي فيه، وإنّما هو توّجه تفرضه الشروط الموجودة”، مضيفاً: “النظام الحاكم عندما يمارس شتّى أنواع العنف بحقّ الناس، بينها العنف الاقتصادي الذي دهور العملة والإذلال على أبواب المصارف، بالتالي فإنّ أبسط البديهيات ومن منطلق الدفاع عن النفس مواجهة العنف بالعنف”.

“الوجهة هي كل ما خصّه بالسيولة والنقد والمال”، يقول الناشط إبراهيم حيدر لـ”أساس”، موضحاً أنّ مجموعتهم “طرابلس مش فرعية” لم تنكفىء حتّى في أيام التعبئة: “نحن ما طلعنا لنرجع”. الحديث مع حيدر كان صباح الإثنين، ومنتصف ليل الإثنين –الثلاثاء تبيّن أنّ هذا التوجّه هو الغالب في كلّ المناطق اللبنانية.

لا ينفي حيدر وجود مناصري أحزاب بين المتظاهرين: “هم يوجدون في كلّ مكان. ولكن في العمل والتنسيق لا دور لهم، ونحن لا نستطيع أن نمنع أحداً من النزول إلى الشارع”.

وفيما يؤكد حيدر أنّ الأمور متجّهة إلى التصعيد لاسيما أنّ الدولار إلى ارتفاع والعديد من الأرزاق قد أغلقت أبوابها بسبب عجزها عن الاستمرار، يتحفّظ بالتالي على قطع الطرقات: “في بعض المناطق يقطع تيار المستقبل الطرقات لإيصال رسائل سياسية”، مؤكّداً على أنّ “وجهة الثورة هي المصارف”.

إلى جانب مجموعة “طرابلس مش فرعية”، تشارك أيضاً مجموعة “الشيوعية” في تحرّكات طرابلس. أما الأعداد الأكثر فهم لأناس مستقلّين تعبوا من واقعهم. ومثل طرابلس، فإنّ الأوضاع في بيروت والجنوب، صيدا تحديداً حيث تحطيم واجهات فروع مصرفية، والنبطية حيث الاحتجاجات تتصاعد، وعلى طول مدخل بيروت الشمالي، فإنّ الاحتجاجات تتصاعد، وتذكّرنا بأيّام تشرين المجيدة.

الثورة عادت، وهذه المرّة ليست سلمية على ما يبدو.