أولا: يشهد لبنان أزمة غير مسبوقة سياسيا واقتصاديا وماليا واجتماعيا، تهاوت معها الاوضاع دفعة واحدة، فباتت الغالبية الساحقة من اللبنانيين في حال العوز والفقر، وما زاد الازمة حدة هي المشكلة المالية وحجز ودائع الناس في المصارف والارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار والمواد الاستهلاكية. ولطالما حذرنا طوال الفترة الماضية من التداعيات التي نتجت عن الاداء السياسي الخاطئ والانقلاب على الدستور واتفاق الطائف، ومن عدم المباشرة بالاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية المطلوبة والمضي في نهج الانفاق من دون حسيب او ضوابط، الا أن المعنيين في السلطة صمّوا آذانهم عن التحذيرات وعن صرخات الناس في الشارع، فوصلنا الى الانهيار الحالي.
ثانيا: إن الحكومة الحالية ،التي لم نمنحها الثقة لادراكنا المسبق بأنها ليست على مستوى التحديات، عليها ان تعبّر عن طموحات اللبنانيين الذين نزلوا الى ساحات الثورة، مع احترامنا طبعا لبعض اعضائها، لكنها ماضية للاسف في اعتماد النهج الخاطئ الذي اوصلنا الى الانهيار الحالي. فلا رؤية لحل الازمة الاقتصادية والاجتماعية، ولا خارطة طريق لمعالجة مكامن الهدر والانفاق غير المجدي، ولا اداء سياسيا على مستوى المرحلة. وما زاد الطين بلة هو لجوء رئيس الحكومة الى اعتماد المكابرة بدل المبادرة، والسجال بدل العمل، وقول الشيء ونقيضه او تقديم الطرح والانقلاب عليه ، بمحاولة مكشوفة لتسجيل بطولات وهمية كما حصل في موضوع تعيينات مصرف لبنان. وآخر مظاهر هذا النهج الكيدية السياسية الواضحة التي أعادت الى الاذهان تجارب سابقة ثبت فشلها،وبدا جليا ان هناك من يتمترس خلف مقام رئاسة مجلس الوزراء لفتح معارك سياسية كيدية، ولكن المؤسف ان رئيس الحكومة قَبِل تغطية هذه المعارك طوعا او عن غير ادراك فعلي لخطورتها وابعادها على التوازنات السياسية التي يقوم عليها لبنان، كما وضع موقع رئاسة مجلس الوزراء في سياق التبعية لسياسات تتقرر خارج الاطر المؤسساتية وتكلّف الحكومة التصديق عليها.
وفي مشهد غير مسبوق في أوج ازمة مالية نقدية اقتصادية اجتماعية، قام رئيس الحكومة بزرع الشك في أداء حاكم مصرف لبنان المركزي المؤتمن على السياسة النقدية، من دون أن تكون هناك إجراءات فورية ومحددة للمعالجة فعمّق انعدام الثقة، وعقّد التوافق على منطلقات البرامج الإصلاحية. اذا لا بد ان تكون الدوافع سياسية تصب خارج نطاق المصلحة الوطنية مما يعرض رئيس الحكومة للمساءلة.إننا نحذر من ان يصار الى فتح جبهات خلافية جديدة تحت عناوين براقة، تؤثر على التركيز والتوافق بين المكونات السياسية كافة، كما قطاعات المجتمع الاقتصادي على مشروع الإنقاذ المالي والاقتصادي. انها مغامرة نحمّل نتائجها الى الحكومة.
ثالثا: إن الانفجار الاجتماعي والمعيشي بات وشيكا ويخطئ من يعتقد من اهل السلطة بامكان الرهان على استمرار ضبط الاوضاع بالامن والقمع، وما نشهده حتى في عز المخاوف من تفشي وباء كورونا ، يؤكد ان الخطر الاجتماعي لن يرحم احدا. لذلك مطلوب من اهل السلطة محاولة لملمة الوضع قدر المستطاع بحوار سريع بين كل المعنيين في السلطات السياسية والنقدية والاقتصادية، لاقرار ما يمكن ان يخفف من وطأة الازمة مرحليا.
رابعا: لبنان امام منعطف خطير جدا والشعب، قبل التاريخ، لن يرحم أحدا، فليدرك الجميع ذلك قبل فوات الاوان، وليتوقف البعض عن الحروب الصغيرة واللعب بمصير الوطن والرقص على حافة الهاوية. إن اللحظة هي للانقاذ السريع قبل غضب الشعب الذي لن يرحم احدا.
خامسا :إن ما نشهده اليوم والبارحة في طرابلس صرخة وجع مدوية دفعت الناس الى الشارع وهي مؤشر خطير وخطير جدا. ورغم شجبنا لاية اعمال عدائية تجاه الجيش والقوى الأمنية وأعمال التخريب التي تطال المؤسسات ونعتبرها من أشخاص او جهات تسعى لتعطيل الحركة المطلبية المحقة والمشروعة ، انما لا يجب ان نغفل عن قنابل كامنة في القلوب والبطون الجائعة نخشى ان يتشظى، وبالعمق ،كل الوطن من انفجارها .