حملة دار الفتوى فرصة للحوار (1): من يمنع جمع الصفّ السني؟

29 أبريل 2020
أحمد الأيوبي
أحمد الأيوبي

شكّلت حملة التبرّعات “لائتلاف الجمعيات الإغاثية”، برعاية سماحة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، مشهداً ناصعاً في قلب السواد المسيطر على الساحة اللبنانية. فهي فتحت نافذة للمساعدة الإنسانية تمسّ الحاجة إليها. كما كان ختام الحملة مناسبة لتناول التطوّرات السياسية، فكانت مواقف متقدّمة للرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام والنائب نهاد المشنوق حول التحدّيات التي تواجه أهل السنّة وحملات التصفية السياسية التي تستهدفهم وأهمية التصدّي لها، وتحديداً من منبر دار الفتوى.

لكنّ ما صدر من مواقف جاء في إطار الحاجة التي فرضتها اللحظة السياسية الضاغطة، ووهذا ما دفع إلى التساؤل: ما الذي يمنع اجتماع القيادات السنية بشكلٍ منسّق ومنظّم، للتشاور ووضع الأولويات وتحديد سبل الحفاظ على الوجود في مرحلةٍ مصيرية يشهد فيها لبنانُ أزمة وجودية في إطار تغيير وجه لبنان العربي والحضاري؟

الأسئلة في هذا الصدد تتوالى: إذا لم يجتمع أهلُ الحلّ والعقد من أهل السنّة في ظروف بهذه الدقة وبهذه الخطورة، فمتى سيجتمعون؟ وما الذي يمنع استجابة سماحة المفتي لنداء النائب نهاد المشنوق بدعوة القيادات المنتخبة من أهل السنة، إلى التشاور الفوريّ للتنسيق في كلّ الشؤون الإغاثية والصحية وكيفية الحفاظ على الحقوق، والأهمّ كيفية التوصل لمبادرةٍ وطنيةٍ جامعة تحفظ الدستور وتدعم تطبيق بقية موادّه الإصلاحية، قبل أن يطيح الانقلابيون بالسفينة ويُغرِقوا أهلها؟

أما السؤال الأهم فهو: من يرفض أو يعيق الاجتماع السنّي في دار دار الفتوى؟

إذا كان الرؤساء فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمّام سلام يعلنون ويبدون الاستعداد لتلبية دعوة مفتي الجمهورية لأي اجتماعٍ يسهم في تحصين موقع رئاسة الحكومة وفي توحيد الصفّ، وإذا كان النائب المشنوق يدعو لمثل هذا اللقاء فضلاً عن أنّه لا يُتوقع أن يعارض النائب فؤاد مخزومي مثل هذه الدعوة.. ليبقى موقف الرئيس سعد الحريري في دائرة الاستفهام.

في المعلومات المستقاة من مصادر سياسيّة مطّلعة على أجواء العاملين على خطّ التنسيق مع دار الفتوى، فإنّ الحريري عارض طيلة الفترات السابقة دعوة مفتي الجمهورية لاجتماع مماثل، لاعتقاده أنّ خطوةً كهذه ستكون المدخل نحو الانتقال إلى “القيادة الجماعية” لأهل السنة في لبنان، خاصة بعد خروجه من السلطة بتجربةٍ مثقلة أصابت مقام رئاسة الوزراء بالكثير من التصدّعات التي يجب المسارعة لترميمها، إضافة إلى سقوط تجربة الرئيس حسان دياب في دائرة فقدان الوزن والتوازن السياسي، ما يجعل أهل السنـّة مكشوفين ولا يمكن تركهم بدون قيادة تجمع شتاتهم وتحفظ وجودهم.

في الساعات الماضية استقبل الرئيس سعد الحريري في “بيت الوسط” رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، وصدر عن المجتمعين توضيح أنه “خلال اللقاء، جرى البحث في التطوّرات الراهنة، وتم الاتفاق على عقد اجتماع آخر في اليومين المقبلين لاتخاذ الموقف المناسب من المواضيع الملحة المطروحة”.

مصدر مقرب من أحد الرؤساء السابقين قال إنّه جرى خلال الأيام الماضية التباحث في عقد اجتماعٍ موسّع للنواب والوزراء السنّة الحاليين والسابقين، لكن لم يُعلم إذا كان قد تمّ الاتفاق على هذه الخطوة أم لا، لكن المصدر يضع ملاحظتين لافتتين:

ــ الأولى: من حيث الشكل هناك إصرارٌ من البعض على استبعاد دار الفتوى وبقية الهيئات المنتخبة، وحصر الاجتماع بالجانب السياسي، وهذا يحمل في طيّاته نيات غير سليمة لأنه ينقص من مستوى الحصانة والالتفاف حول القرارات المهمّة التي يفترض الوصول إليها.

ــ الثانية: هناك هواجس لدى الرؤساء السنيورة وميقاتي وسلام من احتمال استغلال الرئيس الحريري لأيّ موقفٍ معارض للرئيس حسان دياب من أجل الوصول إلى تحسين شروطه علقد صفقة على حساب الجميع.

وهناك سابقةٌ لا تزال صالحةً للقياس وقابلةً للتطوير وهي تتمثـّل في ما اتـُّفِق عليه من ثوابتَ حملت اسم “ثوابت دار الفتوى” وصيغت وأُعلنت عشية تشكيل الرئيس نجيب ميقاتي حكومته عام 2011، واجتمع عليها مجمل القيادات السنية باستثناء المرتبطين بـ”حزب الله” الذين خرجوا على الإجماع. وكان لها الدورٌ في الحدّ من انقسام الصفّ الذي تلا تشكيل تلك الحكومة ولو ان تشكيلها لم يكن قراراً حكيماُ، وفرضت الثوابت إبقاء البوصلة على الأولويات في مواجهة ما يحاول الآخرون فرضه على اللبنانيين.

يدرك سماحة المفتي دريان أنّ الإنجاز الإغاثيّ لا يُغني عن الضرورة الوطنية بجمع الصفّ السنّي، ولديه المكانةُ والموقع لهذه الدعوة وتجاوز عوائقَ أثبتت الأيام أنها واجبةُ الإزالة، وأنه لا يمكن الاستمرار في تجاهل هذه الضرورة كلّما تقدّمت الأيام وتطوّرت الأحداث.

لا مناصَ من استجماع كلمة أهل السنة ولو تأخـّر المتردِّدون ولو عرقل المتضرِّرون، وآن الأوان لأن يستفيد الجميع من دروس التجارب الماضية. فليتقدّم سماحةُ مفتي الجمهورية وليوجّه الدعوة، وليعلم الجميعُ من يلبّي ومن يتخلّف وليتحمّل المعرقلون مسؤولياتهم، فالوقت لم يعد يسمح بالتردُّد ولا بالاستفراد، إنّه وقت التنازلات الواجبة أمام أهل الدار الواحدة والصفّ الواحد، بعد أن طالت التنازلات أمام خصوم أثبتت الأيام أنهم لا يستحقّونها.

المصدر أساس