“نادي الرؤساء” خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء… والمشنوق يُصعّد “سنّياً”

اجتماع ثانٍ لرؤساء الحكومات السابقين خلال أيام

30 أبريل 2020
كلير شكر
كلير شكر

كانت ثمة حاجة إلى “انقلاب” سياسي بحجم الهاوية التي بلغها الوضع الداخلي، لكي يلتئم نادي رؤساء الحكومات السابقين من جديد. وهذه المرة، الرئيس سعد الحريري أحد مكوناته كمتساوٍ بين أربعة نجحوا في تجاوز خلافاتهم التي لم تمرّ عليها أشهر قليلة، وتحديداً عشية تسمية حسان دياب رئيساً للحكومة والتي كانت بمثابة مفترق طريق بين رؤساء الحكومات السابقين من جهة، والحريري من جهة أخرى.

ولكن حتى الآن، لا يزال الموعد الثاني المضروب من جانب هؤلاء، للاجتماع من جديد وتسطير بيان ينتظر منه أن يصوب بوصلة الطائفة السنية، مجهول التوقيت. قيل حينها، يومان أو ثلاثة ويصدر البيان، ولكن حتى الآن المؤشرات غير مشجعة، طالما أنّ التمايزات بين أقطاب الطائفة، قائمة وتحول دون توحيد رؤيتهم ومواقفهم تجاه القادم من العالم الأكاديمي. ومع ذلك، يعمل رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة على “توليفة” تجمع بينهم خصوصاً وأنّ الأربعة متفاهمون أنّ الطائفة مستهدفة، ومعالجة الصياغة ممكنة، وقد تظهر خلال الساعات المقبلة.

الشارع محقون، فيما “أصحاب الدولة” يبحثون في معاجم اللغة عن مفردات مشتركة تجعلهم على الموجة ذاتها. فجأة، لم يعد الحريري يتعاطى معهم كرقم 1 فيما البقية، دونه بدرجات. الأحداث المتسارعة وضعته بمصاف الشراكة مع أركان “النادي”، فيما التطورات أقنعته أنّ محيطه السنيّ يتغيّر، وعليه مجاراة هذا الحراك الانقلابي وإلا أتى عليه.

على الرغم من المطالعة القاسية التي وجهها الحريري إلى دياب، بعد المضبطة الاتهامية التي أعلنها رئيس الحكومة ازاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة محمّلاً السياسات المالية السابقة مسؤولية “الفجوات السوداء”، إلّا أنّ أقطاباً من الطائفة لا يبرّئون رئيس “تيار المستقبل” من “تهمة” الفصل الوهمي بين رئيس الحكومة الحالي وبين “حزب الله”.

بعض من سياسييّ الطائفة السنية ينظرون بعين الريبة الى الهدنة غير المعلنة التي كان يختبئ خلفها “تيار المستقبل” بحجة انتظار انقشاع الرؤية حول الخطة المالية للحكومة للحكم عليها سلباً أو ايجاباً، فيما حسابات الحريري تتصل حصراً بممانعته إشهار سيف خصومته لـ”حزب الله”، لاعتقاده أنّ دياب ورقة موقتة سرعان ما ستحترق في الشارع ليعود هو على صهوة حصان الإنقاذ. ولذا لا بدّ من ترك طريق العودة سالكاً أمامه.

يذهب هؤلاء إلى حدّ القول إنّ “الحريري مصاب بالارتباك، لا هو قادر على قيادة معارضة واضحة ضدّ التركيبة الحاكمة، بوجوهها المرئية وغير المرئية، ولا باستطاعته اقناع جمهوره بالتطبيع مع خصومه. لذا هو يجلس في المنطقة الرمادية”.

وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق قرر تجاوز هذا “الالتباس” للتقدّم إلى الأمام نحو المربعات الواضحة، بقوله: “هناك مؤامرة على الديموقراطية وعلى أهل السنّة فليخرج دياب منها ونحن قدّها وقدود”.

ولو أنّ الجرة لا تزال مكسورة بين الحريري ووزير داخليته السابق إلا أنّ الأخير أعطى رئيس “تيار المستقبل” حقه في البيان المطالعة الذي سطّره، مؤيداً مضامينه. وهي خطوة ايجابية في مسارٍ ثنائي لا يزال مطوقاً بالحواجز والعراقيل.

ما قصده هو أنّ الخصومة ليست مع دياب، ولكن مع من يمثل من محور سياسي. توجه وزير الداخلية السابق نحو “حزب الله” بالدرجة الأولى، والعهد بالدرجة الثانية. ما لم يقله المشنوق هو أنّ الطائفة السنية لن ترضى باستعادة شريط تجربة الرئيس السابق اميل لحود مع رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري والحريرية السياسية، وبالتالي لا يجوز تحويل الخصومة إلى مشكلة شخصية مع دياب، بعدما تعرّض ميزان الشراكة السياسية، مرة جديدة، لعطب عضوي، لا يمكن إصلاحه من خلال التصويب على رئيس الحكومة أو مهادنته لاعتبارات شخصية.

بنظره “هناك قوي في بعبدا بمعنى تمثيله لطائفته، وكذلك الأمر في عين التينة، ولكن في السراي المعيار مختلف. وهذا ضرب للتوازن الطائفي، لا بل اعتداء على الطائفة السنية. الأهم من ذلك كله هو السلوك الثأري الذي يختبئ وراء الزيّ الاصلاحي، اذ لا يمكن مكافحة الفساد فيما الحكومة تشارك فاسدين ولا يمكن لها محاورة صندوق النقد الدولي فيما هي حكومة “حزب الله”.

وفق المشنوق فإنّ “حالة الانهيار الحاصلة تستدعي التعاطي بواقعية مع التطورات والأحداث. لا يمكن للحكومة التعامل مع الحريرية على أنّها المجرم الوحيد وأنّ “حزب الله” هو المنقذ. ولذا على الكل تحمّل المسؤوليات وفق حلّ عاقل لا يستثني أي طرف أو أي فريق”.

هذا لا يعني أبداً أنّه رفع منسوب خصومته لـ”حزب الله” أو يقود حرب إلغاء فهو ليس من صنف المتوهمين، ولكن لا بدّ من قواعد سليمة: الدستور، العلاقات الطبيعية، مع العالم العربي ومع المجتمع الدولي وآلياته. وإلا فالانفجار الكبير.

عملياً، رفع المشنوق سقف “الشكوى السنية”، وبات لزاماً على نادي رؤساء الحكومات السابقين تخطيه لكي يتماهوا مع حناجر المنتفضين في الشارع، وإلا فإنّ هؤلاء لن يرحموهم. وما حصل ليل أمس الأول في طرابلس أمام منزل الرئيس السابق نجيب ميقاتي، أكثر من مؤشر.

ولكن في زمن “الانهيارات الكبرى”، لخطاب شدّ العصب السنيّ منتقدون كثر، من قلب البيت كما من خارجه. وفق بعض “المستقبليين”، ما يحصل في طرابلس لا يعبّر فقط عن جوع أبناء المدينة وانما عن غضب سياسي ناتج عن استهداف الطائفة وتهميشها وتجاوز رموزها. ولذا لا بدّ من مصارحة عميقة بين اللبنانيين لتجنّب الأسوأ، ولكن من دون أخذ البلاد الى مستنقع الفتنة. ويلفتون إلى أنّ “الحريري يقيس الأمور بمنطق حرصه على البلد، وليس بميزان حسابات عودته إلى السراي. الخشية من فتنة سنية شيعية تتقدم على ما عداها، وهو بالتالي لن يحرق البلد لكي يعود إلى السلطة، ولن يعطلها أو يدمرها اذا كان خارجها”.

المصدر نداء الوطن