بعد رفضها الخطوة لسنوات، تخلّت ألمانيا الخميس الفائت عن سياسة التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري لـ”حزب الله”، وأعلنت وزارة الداخلية الألمانية حظر الحزب مصنّفة إياه “منظمة إرهابية” تستخدم الأراضي الألمانية “لجمع التبرّعات”. ونفّذت القوى الأمنية الألمانية بشكل مباغت في ساعات الصباح الباكر حملة مداهمات على بعض المراكز التي اعتبرتها “لصيقة” بالحزب في أكثر من مدينة ألمانية.
المقرّات التي دهمتها الشرطة هي “جمعية الإرشاد” في برلين، و”جماعة المصطفى” في بريمن، و”مركز الإمام المهدي” في مونستر، و”نادي المهاجرين اللبنانيين” في دورتموند (هي مقفلة في الأصل بسبب حظر التجمع خلال جائحة كورونا).
ووفقًا لبيان وزارة الداخلية الألمانية، فإنّ الحكومة قد حظرت كامل الأنشطة التي تخصّ الحزب مثل استخدام أو عرض الرموز وكذلك تنظيم التجمعات والمشاركة بها، إضافة إلى مصادرة الأموال والأصول، ومعاقبة كلّ شخص ينتهك هذا الحظر. كما منعت الداخلية عرض إشاراته ورموزه علناً وخلال التجمّعات أو في وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية، وكذلك رموز “كشافة المهدي” و”حركة شباب حزب الله”. حتى الإطلالة أو الترويج للحزب ولمؤسساته المذكورة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “يوتيوب” و”فايسبوك” و”تويتر”، ما عادت ممكنة.
مصادر مطّلعة في برلين كشفت لـ”أساس” أنّ مناصرين حزب الله في ألمانيا “جلّهم من التجار الكبار الذين يعملون في تجارة السيارات المستعملة وقطعها، ومن المقتدرين الذين يملكون مطاعم”، كاشفة أنّ “الحظر قد يقطع الطريق أمام المسيرات المعادية للكيان الصهيوني، التي كانت تٌنظّم في 16 أيار من كلّ سنة، وتُرفع خلاله شعارات معادية للصهيونية”.
“جمعية الإرشاد” تبدو الأكثر نشاطاً والتي ركّزت عليها السلطات والإعلام في ألمانيا. ويمكن اعتبارها “حزب الله ألمانيا”. أحد المسؤولين فيها قال لـ”أساس” في اتصال هاتفي إنّ “ما حصل كان متوقعاً، لكن ليس بهذا الأسلوب العنيف والقاسي الذي لم يخلُ من الاستعراض”. وإذ طلب عدم نشر اسمه، قال إنّ “دخول الشرطة بلياقة واحترام بعيداً عن الخلع وكسر الأبواب كان أمراً ممكناً”.
أخبرنا المسؤول المذكور أنّ الشرطة “أتت بعديد من نحو 150 عسكرياً مدججين بالسلاح، برفقتهم صحافيين ووسائل إعلامية، علما أنّ الجميعة فارغة بسبب كورونا وليست بحاجة إلى هذا الأسلوب الاستعراضي. فاعتقلوا بعض المسؤولين في الجمعية بأسلوب قاسٍ، بعضهم يعاني من أمراض مزمنة ومن بين هؤلاء الإخوان رئيس الجمعية علي شحرور، الذي أُوقف لمدة 7 ساعات، وصُودر هاتفه الخلوي وبعض أغراضه الخاصة، (وقد حاولنا التواصل معه لكنّه اعتذر لعدم وجود توجّه لدى الجمعية للتواصل مع وسائل الإعلام). ويضيف بأسى: “ما حصل يوم الخميس لا يليق بالألمان ويشبه سلوك الأنظمة الديكتاتورية”.
وعن هدف هذه الخطوة، يعتبر المسؤول أنّ الأمر “هدفه إرضاء إسرائيل كما يبدو. فقبل نحو شهرين زارنا وزير الثقافة الألمانيّ وأشاد بالتزامنا بالقوانين وأثنى على نجاحاتنا في مجال تثقيف الشباب وتهذيبه”. جمعية الارشاد على مستوى برلين هي “جمعية ناشطة جداً، في حال ذهبوا في اتجاه إقفالها نهائياً، وهذا أمر مستبعد، فإن طلابنا سيكونون أكثر الخاسرين. لدينا بين 500 و600 تلميذ يتعلّمون اللغة العربية ويتلقون الدروس الدينية والأخلاقية. نؤهّلهم لدخول الجامعات وأعمار هؤلاء تتراوح بين 14 و19 سنة ودورنا تجاههم توجيهي وتأهيلي”.
سألناه عن حقيقة مدّ “حزب الله” بالأموال، فيقول إنّ مدخول الجمعية “محدود ولا يكاد يسدّ مصاريفها. كلّ الكلام حول الحزب افتراء لا صحة له، لسنا على علاقة بأيّ من الجناحين، لا العسكري ولا المدني. فإذا كنا نعاني من عجز في بيتنا، فكيف نطعم الجيران؟”.
أما عن الاحتفال بيوم القدس العالمي الذي يتسبّب بالقلق للسلطات الألمانية في كلّ سنة، فيقول إنّ “السفارة الايرانية هي التي تنظّم الاحتفال وتدعو الجمعيات كلها، ومن ضمنها الإرشاد. لكن كلّما حصل تصعيد سياسي في الخارج تمارس السلطات الألمانية تضييقاً علينا، آخره كان منذ نحو شهر أو أكثر بقليل، قاموا بالأمر نفسه لكن بلا مداهمات، ثم تراجعوا بموجب قرار من المحكمة”، كاشفاً أنّ الأمور في الجمعية والمراكز الأخرى “عادت أمس عصراً إلى طبيعتها وليس من مصلحة السلطات الألمانية حلّ الجمعية لأنّ طلابنا سيضيعون في المخدرات والزعرنة والعصابات”.
أما في أوروبا، فتبقى باريس صامدة بوجه الإغراءات الاسرائيلية والأميركية. “أمنا الحنون” التي تبحث عن دور جديد لها في المنطقة من باب الموازنة بين أصدقائها وبين “حزب الله” وإيران
صحيفة “شتيرن” الألمانية ذكرت أنّ قرار عدم التمييز بين الجناحين جاء “نتيجة ضغوط مارستها تل أبيب وواشنطن” التي كانت تراه “تمييزاً مصطنعاً”. وكان البرلمان الألماني في أواخر شهر كانون الأول الماضي، قد أجاز قانون حظر “حزب الله” بعد دعوات من الحزبين في التحالف الحكومي. وتدافع برلين عن موقفها التمييزي بين الجناحين من باب الحرص على العلاقات مع بيروت، وتؤكد دوماً أنّ للحزب دوراً اجتماعياً في لبنان.
ربما تراجع هذا الدفء مع تعاقب السنوات، فبعد أن توّلت برلين التفاوض غير المباشر مع إسرائيل بُعيد حرب تموز 2006 لتبادل الأسرى، انتقلت في السنوات الأخيرة مهمة تولّي الوساطات غير المباشرة إلى روسيا، حين سلّمت الدبابة الإسرائيلية التي غنمها الجيش السوري في البقاع اللبناني إلى رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، ثم تدخلت موسكو بين الطرفين لمنع المواجهة في الجنوب بعد حادثة الطائرات من دون طيار في الضاحية الجنوبية وما تبعها من تصعيد.
أما في أوروبا، فتبقى باريس صامدة بوجه الإغراءات الاسرائيلية والأميركية. “أمنا الحنون” التي تبحث عن دور جديد لها في المنطقة من باب الموازنة بين أصدقائها وبين “حزب الله” وإيران، تجاهر برفض حظر الجناح السياسي للحزب… إلى حين؟