بين أوروبا وأميركا
لكن، يبقى للقرار الألماني رمزيته الخاصة. فألمانيا هي الدولة التي كانت ترعى المفاوضات غير المباشرة بين الحزب وإسرائيل في عمليات تبادل الأسرى.
تأتي الخطوة الألمانية بعد ضغوط أميركية كبرى. والضغوط هذه ستنسحب على دول عديدة، تحت شعار محاصرة نشاط حزب الله المتوسع في أوروبا. فمن وجهة نظر الأميركيين يدير حزب الله شبكات هائلة لتبييض الأموال بين أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا، فيما تسعى واشنطن إلى تطويقه ومحاصرته أكثر فأكثر.
لكن النظرة الأوروبية منقسمة حيال حزب الله. فبعض الدول والجهات في أوروبا تعتبر أن الضغط الأميركي عليها، في ما يتعلق بحزب الله، هدفه الوصول، على نحو غير مباشر، إلى تطبيع العلاقات الأوروبية الأميركية وتطابقها، بما يتناسب مع الشروط الأميركية حيال حزب الله. وفي نظر هؤلاء أن لحظة التطابق آتية عاجاً أم آجلاً، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية.
المتاهة اللبنانية
ويظل السؤال الأساسي: هل سينعكس الإجراء الألماني على لبنان الدولة والحكومة التي أعدت خطتها الاقتصادية؟ وذلك في وقت تعويل الحكومة على هذه الخطة لتكون عاملاً في إنقاذ علاقاتها الدولية، طمعاً منها بالحصول على مزيد من المساعدات.
فحكومة حسان دياب ومن يقفون وراءها، اقتنعوا أخيراً بالذهاب إلى صندوق النقد الدولي. وحسب المعلومات، كان المعنيون بإعداد الخطة الاقتصادية على تواصل دائم مع الجهات الدولية، للنقاش معها في بنود خطتهم وتفاصيلها، لعلّها تحظى بموافقة المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي.
لا يزال من المبكر الحديث عن مردود الخطة الاقتصادية. فهي تحاج إلى مزيد من النقاش مع الجهات الدولية. وهذا التفاوض قد يطول أشهراً. فالخطة في ذاتها تحتاج إلى إقرار جزء أساسي لبنودها، مثل إصدارها بقوانين في المجلس النيابي. وهذا يجعلها ساحة مناوشات سياسية معهودة ومعروفة ومجرّبة في لبنان. وقد تبدأ في اجتماع رؤساء الكتل النيابية الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا يوم الأربعاء المقبل.
عود إلى بدء
لا تنفصل الخطة الاقتصادية التي قدّمتها الحكومة، عن مسار سياسي دولي وإقليمي طويل. شطر أساسي من النقاش التقني حول الخطّة، سيكون غلافاً لنقاشات سياسية عميقة وضمنية وعقيمة. ومن دون توفر تفاهم في هذه المداولات السياسية، لا يمكن للبنان أن يحصل على الحدّ الأدنى من المساعدات الدولية، التي تحتاج بدورها إلى تفاهمات سياسية دولية كبيرة.
فالشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي قاسية. أولها مراقبة دقيقة ودولية للمعابر الحدوية اللبنانية، الشرعية وغير الشرعية. ومراقبة المرافق الأساسية اللبنانية، ولا سيما المرافئ والمطار. وهذه شروط يضعها الأميركيون على الصندوق. وهم يعتبرونها ضرورية في إطار الضغط على حزب الله.
فهل سيقبل حزب الله بذلك؟
هذا المسار يحتاج إلى شد حبال ومناكفات لبنانية لا تنتهي. وهذا عود إلى بدء الأزمات اللبنانية، في وقت صيرورة انتظار بلورة توافق ما، محرقة للبنان وللبنانيين.