قبل أيام، أعلنت الحكومة اللبنانية طلب برنامج مع صندوق النقد الدولي. يجري تصوير الخطوة على أنّها “الخلاص المُنتظر”، الذي سينتشل البلد من عجزه، ويُعيد تفعيل الحركة الاقتصادية، ويُغرق البلاد بالاستثمارات… “الغرق” حاصل فعلاً، ولكن بسبب الشروط التي سيفرضها “الصندوق” ولن يكون للحكومة “ترف” المفاوضة بشأنها. فحين تعلق السمكة في الصنّارة، تُصبح عودتها إلى المياه رهنا بالصيّاد: إما يُطلقها أو يرميها في سلّته.
يقول الاقتصادي الأميركي، جوزف ستيجلز، إنّ “الإصلاحات الاقتصادية التي يطلبها صندوق النقد كشروط ليُقدّم القروض، تسبّبت في كثير من الأحيان بنتائج عكسية للاقتصادات ومُدمّرة للسكان”. في ما يأتي تجارب الأرجنتين، واليونان، ومصر، والأردن، وتونس مع المؤسسة الدولية.
الأرجنتين: مقامرة سياسية ضخمة
الأرجنتين هي واحدة من الدول الأعضاء في مجموعة العشرين (منتدى يُمثّل أكبر 20 اقتصاداً في العالم، وتستحوذ دوله على ثلثي التجارة العالمية وأكثر من 90% من الناتج العالمي)، وتُعدّ ثالث أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية… ومن “الأشهر” على مستوى الأزمات الاقتصادية. منذ العام 2001، يُعاني الاقتصاد الأرجنتيني من عجز وانكماش وتفاقم مُعدّلات الفقر وتجاوز معدّلات التضخم عتبة الـ50%. اللافت أن يكون صندوق النقد الدولي “مُواكباً” للأرجنتين خلال كلّ هذه السنوات، ويستمر في إغراقها بالديون من دون أن تظهر أي نتيجة إيجابية لعمله. فمشوار صندوق النقد في البلد اللاتيني، يعود إلى العام 1999، مع تبنّي خيار الخصخصة في قطاعات البترول والاتصالات والطاقة، والموافقة على كلّ “الأوامر”. أما “مُساعدته” الأضخم، فكانت سنة 2018 يوم وافق الرئيس الأرجنتيني موريسيو ماكري، والذي يوصف بأنّه “صديق الأسواق المالية والمستثمرين”، على قبول قرض بقيمة 57 مليار دولار، أخذت منه الحكومة 44 مليار دولار، قبل أن تُعلن عدم قدرتها على إيفاء الدين. “مُقامرة سياسية ضخمة”، اعتُبر قرار ماكري. أما فرانسيس كوبولا، فكتب في “فوربس” مقالاً بعنوان: “صندوق النقد لم يتعلّم أي شيء من الأزمة اليونانية». ردّ الفعل المُعارض تبلور لأنّ الاقتصاد الأرجنتيني تدهور بسرعة كبيرة بمُجرّد المُباشرة في تطبيق البرنامج الأخير مع صندوق النقد، «وكانت المرّة الأخيرة التي شهدنا تدهوراً على هذا النحو، في اليونان سنة 2012″، بحسب كوبولا. استمر صندوق النقد في إقراض بلد غير قادرٍ على تسديد ديونه ويُعاني من الركود (الهبوط في النموّ). ارتفع الدين العام من 241 مليار دولار إلى 321 مليار دولار، وبات يُشكّل في الـ2019 أكثر من 90% من الناتج المحلي، بالتزامن مع انخفاض حادّ في قيمة العملة، فضلاً عن خروج رؤوس الأموال الأجنبية من البلد. فرضت الأرجنتين إجراءات تقشفية، مثل تخفيف الدعم على الكهرباء والمياه وزيادة الضرائب. ارتفع معدّل الفقر من 29% إلى 35%، وارتفعت الأسعار بمعدّل 5% كلّ شهر، وبالتالي انخفضت القدرة الشرائية لعدد هائل من المواطنين.
مصر: “نجاح اقتصادي”… وارتفاع نسبة الفقراء
في تشرين الثاني 2016، وقّعت مصر اتفاقية دين مع صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، حين كانت تُعاني من ارتفاع في عجز الحكومة والدين العام، وانخفاض الاحتياطي في العملة الأجنبية، وانخفاض معدل النمو الاقتصادي، واتساع الفارق بين أسواق العملات الرسمية وغير الرسمية. الاتفاقية لم تدخل حيّز التنفيذ قبل أن تُحرّر مصر سعر صرف الجنيه وتُخفّض الدعم للوقود والمواد الغذائية وتبيع أملاكاً للدولة وتفرض ضرائب جديدة. نفّذت مصر، بقيادة عبد الفتّاح السيسي، كلّ ما هو مطلوب منها. وعندما أراد “الصندوق” المزيد من التنازلات، أوقف الدفعة الخامسة من القرض، حتّى ألغت الحكومة كلّ الدعم لأسعار الطاقة. ما حصل أنّ تحرير سعر الصرف أدّى إلى ارتفاع كبير في التضخم (ارتفاع المستوى العام للأسعار لكافة السلع والخدمات)، ما أثّر على معيشة السكان. ارتفعت في الـ2016 أسعار الوقود المدعوم بنسبة تراوح بين 30 و 46.8%. وسنة 2017، رُفعت أسعار الدواء ما بين 15 و20%”. لقراءة المقال كاملاً إضغط هنا.