من الواضح أن الرئيس عون أراد من دعوته لرؤساء الكتل أن “يصيب أكثر من عصفور بحجر واحد”، علما أن مناقشة الخطة الاصلاحية كان يمكن أن تتم في مجلس النواب وفقا للدستور وهو المكان الطبيعي لذلك، لكن عون حرص على تحقيق عدة أمور لجهة: أولا التأكيد على أنه ما يزال رئيس الجمهورية الجامع القادر على إستضافة كل رؤساء الكتل النيابية في كنفه، وثانيا أنه ما يزال يحمل لقب “بيّ الكل”، وثالثا الاستماع الى ملاحظات رؤساء الكتل على الخطة الاصلاحية التي أقرتها الحكومة، ورابعا التخفيف من حدة المعارضة ضد الحكومة والعهد معا من خلال التلاقي، وخامسا إفساح المجال أمام جبران باسيل لكسر الحواجز التي إرتفعت بينه وبين خصومه السياسيين خلال الفترة الماضية.
من هنا، بات مفهوما البيان السريع والشديد اللهجة الذي أصدرته دوائر القصر الجمهوري ردا على كتلة المستقبل النيابية بعد إعلانها عدم الحضور، خصوصا أن هذا “القرار الأزرق” أفسد كثيرا من الأهداف الرئاسية لهذا اللقاء، وهو كرّس مقاطعة المستقبل بما يمثل للعهد وللتيار الوطني الحر، وكسر مبدأ الاجماع الذي كان يسعى إليه رئيس الجمهورية، ما يعني أن الفراق بين سعد الحريري وبين الرئيس عون وجبران باسيل لم يعد مرحليا كما سبق وتحدث باسيل مخاطبا الحريري بأنك “سوف تعود وستكون الطريق صعبة”، بل أصبح هذا الفراق نهائيا، وعلى الطرفين أن يتحملا تبعاته بدءا من الحريري الذي لم يعد بمقدوره العودة الى رئاسة الحكومة في ظل هذا العهد، وصولا الى رئيس الجمهورية الذي تتهمه مصادر المستقبل بأنه “تحول الى جزء من الصراع السياسي، ولم يستطع أن يفصل بين كونه رئيسا للجمهورية وبين دعمه وإحتضانه لجبران باسيل الذي يتصرف في حكومة حسان دياب كونه الآمر الناهي، ويحولها الى رأس حربه لتنفيذ أجندته السياسية”.
تقول مصادر المستقبل: “لم يعد هناك أي مجال للمسايرة، فالطلاق وقع مع جبران باسيل ومع من يدعم توجهاته، وإن عدم تلبية الدعوة الى اللقاء يأتي من منطلق أن بعبدا ليست المكان المناسب لمناقشة الخطة الاصلاحية، بل مكانها الطبيعي هو مجلس النواب، حيث يمكن محاسبة الحكومة على ما تقدمه”.
وعن الرد العنيف من رئاسة الجمهورية على المستقبل، تقول المصادر نفسها: “هذا إتهام بـ”الخيانة” ونحن نرفضه جملة وتفصيلا، وليس من حق رئيس الجمهورية ولا أي مسؤول آخر أن يتحدث بهذا المنطق مع مكون سياسي أساسي في البلد يمارس حقه بالاعتراض على ما يراه مخالفا للدستور، علما أن رئيس الجمهورية يتجاوز المسؤولية الوطنية، فهو راعي الدستور وقد أقسم اليمين على حمايته، ومن المفترض أن يكون الحكم بين اللبنانيين، في وقت نرى فيه أن الدستور يتعرض لشتى أنواع الخرق، وأن رئيس الجمهورية بات جزءا من محور سياسي ويسعى جاهدا مع فريقه الى إستبدال نظام الطائف بنظام رئاسي”.