عند التعمُّق في النهج الذي يقود البلد، مع حكومة الرئيس حسّان دياب، تُطرَح أسئلة جدّية حول المستقبل. وفي ذكرى الـ100 يوم لتأليفها، أنجبت الحكومة مشروعها الموعود للإنقاذ… ولكنه، على الأرجح، وُلِد ميتاً.
الخبراء في الاقتصاد يُجمعون على انتقاد المشروع، لأنّه يتجاهل تماماً مطالب الإصلاح، ولا يمسّ إطلاقاً مَواطن الفساد والفاسدين، لا رجال السياسة والحكم منهم، ولا رجال المال والاقتصاد.
ويقول خبير واكب التطورات التي شهدها المشروع: “لم يكن الأمر يحتاج إلى إضاعة الرأي العام بتفاصيل أكثر من 60 صفحة، بالعربية ومثلها بالإنكليزية، بل كانت تكفي بضعة إجراءات وقرارات حازمة لتنفيذ القوانين المرعية الإجراء، بدلاً من “التنظيرات” التي لا قيمة لها إلاّ في “إضاعة الشنكاش”.
مثلاً: هل يحتاج إصلاح القطاع العام إلى قوانين وتشريعات جديدة أم فقط إلى تنفيذ القوانين، بدءاً بإلغاء آلاف الوظائف الوهمية والتدقيق في مواطن الفساد في الإدارات والاستغناء عن أكثر من 5 آلاف موظف دخلوا القطاع خلافاً للقانون؟
وهل وقفُ التهرُّب الضريبي والتهريب عبر المعابر والمرافق الشرعية وغير الشرعية يحتاجان إلى تشريع جديد؟ وهل التنفيعات المتمادية في استخدام أملاك الدولة، وإساءة استخدام الأموال العامة ووقف الغشّ والتزوير تحتاج إلى خطط مالية واقتصادية أم إلى مجرد تنفيذ القانون؟
وهل الدخول إلى خفايا الكهرباء والاتصالات ومجلس الإنماء والإعمار والصناديق وسواها يحتاج إلى تشريع أو إلى إرادة لتنفيذ القانون؟ ولماذا التمادي في تجاهل البحث الجدّي عن الأموال المنهوبة أو المحوَّلة وربطه بالخطة الاقتصادية، فيما هو يحتاج فقط إلى قرار تنفيذي سريع وعملاني؟
وهل يكون الحلّ بإنكار “الكابيتول كونترول” والتهرُّب منه، فيما هو واقعٌ أصلاً وفي شكل استنسابي؟ وهل يكون تجنُّب “الهيركات” بتخبُّط الأرقام وضياعِها وبالنصوص القابلة للتأويل في الخطة المولودة، فيما هو يُنفَّذ واقعياً، ويستهدف مختلف الشرائح، وبقسوة، بفعل انهيار قيمة العملة الوطنية واحتجاز الودائع بالدولار؟
وهل يكون الحلّ بالتبادل العقيم للاتهامات، وبنحو استنسابي ومسيَّس، بين أركان الأزمة: الحكومة ووزارة المال والسياسيون والمصرف المركزي وجمعية المصارف، فيما الجميع يسكتون عندما يبدأ انكشاف الحقائق؟ واستطراداً، كيف يمكن تنفيذ خطة مالية – اقتصادية من دون التنسيق بين هؤلاء المعنيين؟
والأسوأ، أنّ هذه الخطة لم تُنسَّق مع صندوق النقد الدولي، المعني الأول بنجاحها أو بفشلها. ويقول الخبير: “يتعاطون مع الصندوق وكأنّه مجرد “صندوق بلدي في الضيعة”، وكأنّ المسؤولين فيه سُذَّج وسيوافقون على تزويدهم المليارات، من دون إصلاحات. وهذا مستحيل. فأي دولار لن يصل إلاّ إلى مَن يوحي بالثقة. والردود الأولى على طلب المساعدة توحي بذلك”.
لقد اكتشف الطاقم السياسي الذي يدير الحكومة، أنّ فرنسا غير قادرة على تحريك مساعدات “سيدر” إلّا عبر صندوق النقد، وأنّ الأوروبيين جميعاً يتبنّون هذا الموقف، وأنّ واشنطن تضغط بقوة في هذا الاتجاه، فقرّر أن يتعاون “صُوَرياً” مع الصندوق لإمرار المساعدات ليس إلّا.
وفي عبارة أخرى، قرّر الطاقم أن يتعاطى مع الصندوق من دون تقديم أي “تنازلات”» إصلاحية حقيقية. وعندما يُفرج الفرنسيون وسواهم عن الأموال، يصبح سهلاً في لبنان تمرير الفترة الحسّاسة التي يمرّ فيها حلفاء إيران، والتي تنتهي في الخريف، إما بالتجديد للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإما بوصول رئيس من الحزب الديموقراطي.
لكن هذه اللعبة خطرة، وربما تقود إلى تعميق الكارثة. وللتذكير، إنّ ربط لبنان بالمواجهة الإقليمية – الدولية ربما يوصله إلى مكان تصبح فيه السيطرة على الأمور أكثر صعوبة.
وليس من قبيل المصادفة أنّ إيران أقرَّت أمس حذف أربعة أصفار من الريال، في سعيها إلى احتواء تراجعه الحادّ بسبب العقوبات الأميركية. فقد وصل الدولار في السوق غير الرسمية إلى 156 ألف ريال. وتراجعت قيمة العملة الإيرانية 3500 مرة منذ الثورة عام 1979، ما فرض إصلاحاً في «مظهر العملة» وتحسين علاقتها بالدولار.
ولا يعلّق الخبراء أهمية على هذا الخفض، لأنّ عمق المشكلة، أي الحصار المضروب على طهران، ما زال مستمراً. والدليل أنّ تركيا لجأت إلى قرار مماثل بحذف ستة أصفار من عملتها في العام 2005. لكن الخطة لم تنفع، ولم يتحسن الاقتصاد إلّا بدخول أنقرة إلى الأسواق الأوروبية واستقطاب الرساميل الخارجية وترشيد الاقتصاد.
السؤال في لبنان هو: هل السياسة التي يتبعها أركان السلطة الحقيقيون ستقود إلى انهيار مماثل للاقتصاد والمال والليرة، ما يستدعي حذف 3 أصفار منها أو 4 مثلاً، علماً أنّها أساساً مضخَّمة بالأصفار منذ انهيارها قبل 3 عقود؟ وهل هؤلاء سيتلقّفون الدرس الإيراني أم ينقادون إليه؟”.