يشهد العالم منذ أكثر من شهرين حالة طوارئ نتيجة جائحة كورونا التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا على حياة الإنسان في كل أنحاء العالم، ما دفع الإعلام بكل أنواعه للتحرك، والعمل على مواجهة هذه المرحلة، من خلال تغطية الأحداث، وتخصيص برامج تعريفية بفيروس كوفيد 19، وتبيان طرق الحماية والوقاية منه، وهذا ساعد بشكل كبير في توسيع درجة الوعي الفردي والمجتمعي وبناء مناعة، للحد من انتشار الفايروس القاتل.
هذه هي رسالة الإعلام، وهذا هو دور الإعلاميين الحقيقيينن الذين سيطّهرون بأدائهم السليم الجسم الإعلامي من كل أنواع الطفيليات، التي لا تنبت إلا على أعقاب الأشجار الباسقة.
دور الصحافي أن يكون في “بوز” المدفع مثله مثل أي جندي يدافع عن الوطن وسيادته.
الصحافي في ‘بوز’ المدفع!
يحتفل لبنان غدًا في السادس من ايار بذكرى شهداء الصحافة، الذين عُلقوا على أعواد المشانق دفاعًا عن حريةٍ ما تخلّوا عنها حتى تبقى مقدسة، ولا نزال حتى يومنا هذا متمسكين بها، مهما حاول المحاولون تشويهها أو تغيير مفاهيمها. فلولا تضحيات من سبقنا لما كنا اليوم نجرؤ على قول الحقيقة كما هي ، وليس كما يريدها المسؤول، أيًّا كان هذا المسؤول، في كل زمان وفي كل مكان.
بعد 44 سنة في خدمة الكلمة في معبد الحرية، أستطيع القول، وبكل فخر، أن الصحافة هي من بين اشرف المهن الحرّة وأكثرها قداسة، على رغم ما تتعرّض له، في بعض الأحيان من الطارئين عليها من تهشيم، وربما من قلة إدراك بعض الساعين إلى غير ما سعى إليه أولئك الذين عُلقوا على أعواد المشانق، أن الصحافة مهنة كغيرها من المهن، التي لم تعد، للأسف، تغري طمعًا بمكسب أو جاه، خصوصًا بعدما إضطرّت صحف عريقة على إقفال أبواب صفحاتها، مع إستمرار معاناة تلك التي تسعى بشق النفس الصمود في وجه الأعاصير.
تعّلمنا ممن سبقونا، ونعّلم بدورنا ما تعّلمناه لغيرنا بأن الإعلام الحقيقي هو من يلعب الدور المفصلي والحاسم في الكثير من الأحداث، فيتلقف القضايا التي تهم المجتمعات ويحرص على أن تكون معالجتها وفقا للمعايير المهنية، إنصافا للحقيقة من جهة، وتعبيرًا عن هموم الناس واهتماماتهم من جهة أخرى، لذلك نجده دائما المتصدر في التصدي لمختلف الأزمات التي تواجهها المجتمعات.
ولكن ما يؤسف عليه وله أن بعض الطارئين على مهنة المتاعب، أو أولئك الذين يسمّون أنفسهم “تجدديين” لم يستوعبوا بعد أنهم في مكان ومهنة الصحافة في مكان آخر. فلا نفهم مثلًا إصرار البعض على نشر ما لا يُنشر، سواء عبر الكلمة فيدّنسونها، أو عبر الصورة أو الفيديو فيستبيحونهما.
لم افهم، كما لم يفهم غيري ممن قلبهم على أن تبقى الصحافة عن حق وحقيق السلطة الرابعة، إن لم نقل السلطة الأولى، لماذا عمد البعض بالأمس تحديدًا على نشر صور وفيديو عن جريمة سد البوشرية بما فيها من خرق فاضح لحرمة الموت ولمشاعر الذين يشاهدون هذه الصورة المقززة أولًا، وإستفزازًا لمشاعر أهالي الضحايا، من دون الدخول في اسباب الجريمة.
عن أي نوع من الإعلام تتحدثون، وعن أي أخلاقيات مهنية لم يبق منها سوى الشعارات تفقهون، وعن أي مهنة تبحثون، وهي صارت بفضل بعض الساعين وراء “الرايتنغ” لأغراض تجارية بحتة دون المستوى المطلوب؟
لا يمكن أن افهم هذا التناقض بين صورتين، الأولى لصويحفيين يتوسلون كل شيء من أجل بعض من مشاهدات، والثانية لصحافيين جنود نراهم مندفعين في تحمّل مسؤوليتهم عندما ظهر وباء الـ”كورونا” مثلًا تماما كما تحملها الأطباء، فكان دورهم كبيرا في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم بأكمله. دور الإعلام مهم من حيث تنبيه المجتمعات لخطورة المرحلة وحقيقة ما يحدث، ونقل عدد الضحايا بكل نزاهة حتى لو كان ذلك سيتسبب في حالة من الخوف والقلق، بل إن ذلك مهم جدا وسينعكس في ما بعد بشكل إيجابي.
في وقت الشدائد يتصدى الجميع لها، كل واحد حسب وظيفته ومنصبه، فتجد الطبيب والجندي والإعلامي وغيرهم يبذلون مجهودات كبيرة وفقا لما يمليه عليهم الضمير المهني والإنساني لمواجهة الأخطار التي تشكل تهديدا على حياة الأفراد وأمن المجتمعات واستقرارها، أيا يكن الخطر، عدوا أو وباء أو أزمات.