كان يمكن لرئيس الجمهورية، ميشال عون، انتهاز فرصة التهدئة التي بدأها مع وليد جنبلاط، لتعميمها على كل القوى السياسية. وأن يشكل هذا خطوة على طريق إعادة “الاجتماع السياسي” حوله. لكن الرسائل الحاسمة التي أوصلها عون للقوى السياسية، بأنه يرفض للكتل أن ترسل ممثلين عنها في اجتماع يوم الاربعاء ببعبدا لعرض الخطة الاقتصادية، ساند القوى التي أرادت المقاطعة لإبقائها على موقفها.
ولذا، وصفت بعض الكتل موقف الرئيس عون بالصلف، والذي لم يحرج الخصوم، فسهّل لهم مواقفهم الاعتراضية. ولم ينجح عون في موقفه أن يبقي الرئيس سعد الحريري وحيداً، بعد أن أعلن الأخير مسبقاً مقاطعته للاجتماع.
التهدئة وإصرار الرئيس
تلقى العهد والحكومة، رسائل دولية عديدة حول ضرورة تهدئة الأجواء السياسية في الداخل، لأنه لا يمكن البحث في خطة اقتصادية والسعي للحصول على مساعدات دولية، في ظل توتر واشتباك سياسي. ولا بد لهذا النوع من الخطط أن يقترن بتوافق داخلي ووحدة وطنية، وإجماع على ما تقرره الخطط الاقتصادية لتصل إلى مبتغاها. هذه الرسائل، إلى جانب الوضع السياسي والشعبي المتفجر، أجبرت العهد على البحث عن تسويات للتهدئة. وهذا ما تجلى أيضاً في موقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، الذي كان هادئاً ولم يكن تصعيدياً على الإطلاق.
تزامن موقف نصر الله مع زيارة جنبلاط إلى قصر بعبدا، وفتح صفحة هدنة جديدة. في هذا الوقت كان هناك تواصل بين رئيس مجلس النواب نبيه ورئيس الجمهورية، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، لأجل توفير نجاح لقاء الأربعاء. وقد ساعد بري كثيراً في بذل الجهود المطلوبة لإنجاح اللقاء. لكن المساعي اصطدمت بموقف الرئيس الحاسم والمصرّ على عقد اللقاء بحضور الأشخاص الذين دعاهم بأسمائهم لا أن يرسلوا ممثلين عنهم.
فرنجية وغياب السنّة
يظهر ذلك، حجم اصطدام العهد بحلفائه قبل خصومه. فالـ”لا” المدوية، للحضور، جاءت على لسان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وكذلك من قبل اللقاء التشاوري السني، الذي كان قابلاً لتوفير “غطاء ميثاقي”، ولو غير كاف أو غير ممثل للاجتماع، إلا أن اللقاء التشاوري أو الوطني أعلنا مقاطعة الجلسة أيضاً. مقاطعة فرنجية التي أعلنها على طريقة تهكمية بسبب الحجر وأن رقم لوحة سيارته مفرد لا يسمح له بالتنقل يوم الأربعاء، يعود إلى خلفيات كثيرة، أبرزها الحرب المستمرة المفتوحة من العهد ضده، وآخرها في ملف الفيول المغشوش. إذ يعتبر فرنجية أن العهد وباسيل يبحثون عن كبش محرقة جديد، فيتهمون من هم محسوبين عليه بدلاً من مساءلة وزراء الطاقة المتعاقبين. ولا ينفصل ذلك عن حرب الإلغاء التي يستمر التيار الوطني الحرّ بخوضها ضد فرنجية. ولم تنجح مساعي حزب الله والرئيس بري في إقناع فرنجية بتغيير موقفه.
بالنسبة إلى اللقاء التشاوري فالخلافات التي تعصف بالعلاقة بين نوابه حالت دون الحضور والمشاركة في اللقاء. وفي ظل مقاطعة الرئيس نجيب ميقاتي، والرئيس سعد الحريري، هذا يعني أن الميثاقية السنّية قد نزعت عن اللقاء، وسترسي قطيعة مع العهد. ما يعني عدم قدرة عون على تعويم نفسه مجدداً كحكم بين القوى السياسية، التي تعتبره ذهب بعيداً في مواقفه، التي أبرزت تطرفه إلى فريق على حساب الآخر.
درس برّي لباسيل
جنبلاط زار بعبدا الإثنين، وأعلن أنه لن يشارك شخصياً، وكان يفترض أن يرسل مبعوثاً. ولكن بعد موقف عون، يفترض أن يرسل ملاحظات مكتوبة على ورقة. رئيس حزب الكتائب أعلن المقاطعة أيضاً. تبقى القوى الأساسية التي ستشارك في اللقاء هي رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد. لهذه الغاية، حط باسيل في عين التينة، والتقى بري على مدى ساعة ونصف. كان اللقاء للتداول في مختلف التطورات، وشكر باسيل لبري على جهوده، والتأكيد على ضرورة تأكيد التهدئة، وعدم افتعال مشاكل سياسية، كما جرى البحث في الخطة الاقتصادية والإجراءات الواجب اتخاذها لإعلان الجهوزية للذهاب إلى صندوق النقد الدولي، وقد كان ملف الكهرباء الحاضر الأبرز في اللقاء.
كان بري واضحاً مع باسيل، بأنه لا يمكن الاستمرار بافتعال المعارك، وفيما بعد يتم اللجوء عن بحث للتهدئة. بموقفه، أظهر بري قوته وقدرته، وانه العصي على أن يتم تجاوزه أو تخطيه. وهو القادر على عرقلة أي مسعى يقوم به عون أو باسيل، فيه ما يمس دوره. أظهر بري قدرته، وكأنه يقول لباسيل: “لا بد من التعلم من التجارب، بأنه لا يمكن إقصاء أحد، ولا يمكن شن معارك ضد القوى السياسية، وفيما بعد العودة ومطالبتها بأن تكون حاضرة إلى جانبهم”.
.. ودرس لدياب وموقف “القوات”
الموقف نفسه كان برّي قد أبلغه إلى رئيس الحكومة حسان دياب، الذي زاره يوم الإثنين أيضاً، وكانت الزيارة بهدف التودد إلى برّي، والإعلان عن وقف أي محاولات لاستهدافه أو التفكير بإمكانية استهدافه. فذهب دياب طالباً من بري دعم الخطة والإستمرار بدعم الحكومة وتذليل العقبات من أمامها. وهذا ما بذله برّي مع معارضي الحكومة وأبرزهم وليد جنبلاط، لإرساء التهدئة. لكن العبرة تبقى في التنفيذ، والسؤال عن مدى الالتزام بالتهدئة. أم أن العهد سيعود إلى ممارسته ذاتها، التي أصبحت متكررة ومتشابهة. وقد ضرب المثل للعهد بعلاقاته مع أبنائه أو القوامين عليه، كحالة الإشكال التي حصلت مع أركان الطائفة الأرثوذكسية، والحملة التي يقودها نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي المحسوب عملياً على العهد.
وتبقى الأنظار شاخصة إلى موقف القوات اللبنانية، وكيفية تعاطيها مع الدعوة. سابقاً كانت القوات قد اعلنت مشاركة النائب جورج عدوان في اللقاء، ولكن بعد موقف عون، لم تعلن القوات عن موقفها، وإذا ما كان سينقذ جعجع اللقاء، أم أنه سيكتفي بإرسال ملاحظات مكتوبة على الخطّة الإقتصادية. سيكون جعجع أمام حسابات متناقضة. إما الاستمرار بمعارضته الشرسة للعهد وعدم الذهاب إلى بعبدا في ظل هذه الظروف، وإما ان يعود إلى حسابات مسيحية مسيحية، تنطلق من رمزية التعاطي مع موقع رئاسة الجمهورية، ويحيل المعارضة جانباً في هذا الموقف بالذات، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.