تحت عنوان سعد الحريري دون أهله.. و”السنّية السياسية” كسيحة كتب منير الربيع في “المدن” يعيش السنّة في لبنان حالة مأسوية، مستمدة من التدهور الذي أصاب “السنّية السياسية” والشعبية في كل المنطقة العربية.
يقبع السنّة بين منزلتين: انعدام القيادة الواضحة لديهم، وسط الصراعات الشخصية والضيقة بين أقطابهم.. وقهر الجمهور الذي سمّي في فترة سابقة “إحباطاً”.
الصفة التي رفضها سعد الحريري في فترة وئامه مع عهد ميشال عون.
ومع هذا الإحباط، يستمر أيضاً الترهل المتأتي عن غيابهم عن المعادلة الوطنية وتأثيرهم فيها. ويتوسع ليصل إلى حزازات وصراعات وتجاذبات داخل البيت الواحد، مع إعلان بهاء الحريري الدخول إلى المعترك السياسي، مستغلاً الانتفاضة اللبنانية.
الفرص الضائعة
ثلاثة مشاكل حقيقية ظاهرة، أولاً معضلة القيادة منذ العام 2005 إلى اليوم. تمت إضاعة أربع أو خمس فرص، أولها الاستسلام للحظة تشكيل حكومة نجيب ميقاتي في العام 2011.
فعندما تهون في المرة الأولى، ستهون في كل المرات. والفرصة الثانية بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، والفرصة الثالثة بعد اغتيال محمد شطح، فيما الفرصة الرابعة والجدية لحظة صدور القرار الإتهامي عن المحكمة الدولية.
أضاع السنّة فرص جوهرية لحماية أنفسهم سياسياً، بالتخلي عن هذه الثوابت.
لم يلجأ السنّة إلى استخدام آليات الطوائف الأخرى، على غرار حماية حزب الله لنفسه ومنظومته لدى المساس بشبكة اتصالاته وإقالة رئيس جهاز أمني المطار. أو لجوء الرئيس نبيه بري إلى إبراز القوة للدفاع عن موقعه، وكذلك بالنسبة إلى وليد جنبلاط.
ولدى التيار الوطني الحرّ أيضاً أساليبه في حماية مواقعه والطموح لتحصيل المزيد، انطلاقاً من شعار حماية المسيحيين ومواقعهم.
.. حتى الاستسلام
ما بعد مشكلة القيادة والصراعات الشخصية والجانبية، تأتي كارثة التراجع المالي الفظيع لدى تيار المستقبل.
الأمر الذي انعكس سلباً على الحريري وحضوره.
ولكن هذا لا يجب أن يكون ضعفاً استراتيجياً، بخلاف سوء إدارة سعد الحريري للتسوية الرئاسية، وقبوله بكل شروط جبران باسيل، وهو على قناعة بأن الأمور لا يمكن أن تسير إلا بهذه الطريقة.
استسلم الحريري للتنازل الخطير، والذي كرّس أعرافاً وقواعد أسهمت في إنهاء الحضور السنّي على الساحة، وأرست فراغاً هائلاً.
هذا الفراغ الذي أحبط البيئة الحاضنة للحريري، وشرّع الأبواب أمام الصراع الفعلي على الزعامة.
استمر التدهور بالاختمار حتى وصل إلى نقطة استمرار الحريري بالاستسلام في الجلسة الأخيرة لحكومته قبل الاستقالة، حين سلّم لباسيل ما يريده في خطة الكهرباء، وفي ملفات أخرى من بينها تعيين رئيس للوكالة الوطنية للإعلام، وإقالة لور سليمان.
استسلم الحريري بشكل كامل لباسيل، الذي فرض الشروط عليه بأنه إما يكونا معاً في الحكومة أو خارجها. وارتكز الحريري في قراراته وحساباته إلى الطابع الشخصي.
وهو الطابع نفسه الذي يدفع السنّة ثمنه حالياً، بسبب صراع شخصي أيضاً داخل البيت الواحد، على الزعامة، أو ما تبقى منها.
السنّة والميراث
مشكلة الرئيس سعد الحريري، أنه يحصر مشكلته السياسية في الإطار المالي. وفي ذلك استسلام كامل، وتعبير عن فقدان الرؤية أو المشروع.
ربط وجوده وتأثيره السياسي بمسألتين أساسيتين لا توفران الاستمرارية والديمومة.
المسألة الأولى هي المال السياسي، والمسألة الثانية هي التنازلات لكسب ود الخصوم كي لا يتخلوا عنه.
وفي الحالتين أثبتت النظرية فشلها.
وهو لا يبدو أنه مستعد لخوض معركة سياسية حقيقية.
غيابه عن الساحة وعن جمهوره أنتج فراغاً سمح للكثيرين ببناء طموحات ومشاريع.
وهو غير جاهز للاعتراف بالخطأ ولا بإجراء مراجعة علنية شاملة لخياراته. لم يعد قادراً على الاستمرار ولا قادر على التراجع.
الأمر الذي أصاب السنّة بمقتل، وجعلهم ضحايا على مذابح متعددة ومتنوعة.
وبهذا المعنى، ليس مشروع بهاء أكثر من شرخ جديد. وستأخذ المعركة طابعاً تهشيمياً جديداً يطال الدور التاريخي للسنّة في المعادلة.
بل وسيخرجون منها تماماً، ما لم تأتِ حركة تصحيحية جديدة تنتفض على التعاطي مع السنّة كجزء من التركة أو الميراث، أو كأنهم طيعون لأهواء وحسابات شخصية ضيقة.