سَمَح الوزير جبران باسيل لنفسه بتقييم الخطة المالية التي وضعتها الحكومة بعرض نقاط قوتها وضعفها، فيما كان مستشار رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” للشؤون المالية شربل قرداحي من المشاركين في الورشة المفتوحة التي مهّدت لوضع أسس الخطة الإنقاذية للحكومة.
داخل مجلس الوزراء أيضاً وزراء محسوبون على حصة ميشال عون وباسيل جلسوا إلى طاولة القرار ليشاركوا في صياغة البيان رقم واحد لخطة الخروج من القعر.
تجزم أوساط رئاسة الحكومة أنه لم يتمّ التنسيق معها ولم تكن في أجواء الملاحظات التي أوردها باسيل خلال اجتماع بعبدا ووصلت الى حدّ “بَرش” الخطة بعد الإضاءة المتواضعة على نقاط القوة فيها.
تحدثّ رئيس “التيار البرتقالي” بإسهاب عن سلبيات الورقة إلى حدّ الإيحاء بتهديدها “لنظامنا الاقتصادي الحر”، وكأنّ من يتحدّث هو الرئيس سعد الحريري وليس رئيس أكبر كتلة سياسية داعمة للحكومة. هو يكرّر فعلته بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده في بداية نيسان الماضي يوم أنّب الحكومة ووزراء فيها على “أفعالهم”، ولولا “الكونترول” لكان رفع الغطاء عنها!
في السراي يتجاهلون الشكل ويركّزون على “النقطة اليإجابية”: أقلّه لن يقال إنّ حسان دياب يأتمر بأوامر جبران باسيل، وهو واقع غير قائم إلا في خيال البعض ممّن تعوّدوا ربما على التبعية!!
قصة “جبران” مع الحكومة لا تختلف كثيراً عن “حَرَد” رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية وانتفاضاته المتكرّرة ضد الحكومة ورئيس الجمهورية وباسيل. قوى سياسية مفترض أنّها داعمة لثالث حكومات العهد، وشاركت بالتفاصيل في طبخة أسماء الوزراء فيها، لكنّها لا تفوّت فرصة لتسجيل أهداف في مرماها.
حسابات مصلحية وسياسية يصعب جدًا فصلها عن الحسابات الرئاسية التي بدأت تدقّ الأبواب، فكيف إذا كان على يمين رئيس الحكومة وزير ماروني هو دميانوس قطار خاض باسيل معركة حقيقية لعدم توزيره بعدما نجح في استبعاد الوزير السابق زياد بارود أحد المرشحين الدائمين لرئاسة الجمهورية.
الوزير قطار low profile حالياً. كان وزيراً المال في حكومة نجيب ميقاتي “الأولى 2005” لأقلّ من مئة يوم، وهو من ضمن الفريق الوزاري المالي والاقتصادي اللصيق برئيس الحكومة، ويرى كثيرون أنّ عودته الى طاولة مجلس الوزراء قد لا تكون مجرّد عودة عابرة خصوصاً أنّه من ضمن لائحة المرشّحين الموارنة لرئاسة الجمهورية ولديه “داتا” من العلاقات مع مفاتيح في دول غربية عدة، وسبق أن أعلن عام 2014 ترشّحه للرئاسة.
يدافع فريق رئيس الحكومة بقوة عن تحرّر دياب من أيّ تبعية لأيّ فريق سياسي، وتحديداً جبران باسيل، فيما يحكم الاحترام والتفهّم والتنسيق العلاقة مع رئيس الجمهورية مع تسليم مصادر مطلعة “بالتأثير الواضح لباسيل على عون”.
تتحدّث المصادر مثلاً عن توقيع رئيس الحكومة على مرسوم الناجحين في مجلس الخدمة المدنية ومرسوم كتّاب العدل (مرسوم الاستحداث) مع وعد من رئيس الجمهورية بالتوقيع، لكنّ هذا الأمر لم يحصل حتى الآن”.
ويرى العارفون بأمور الحكومة أن دياب يلحظ وجود الرئيس نبيه بري وسليمان فرنجية، من خلال وزرائهم على طاولة الحكومة، أكثر بكثير من حضور “باسيل”.
يقول هؤلاء إنّ وزير حركة “أمل” عباس مرتضى ووزير المال غازي وزني ووزيرا فرنجية، يعكسون آراء “مرجعياتهم” السياسية أكثر بكثير مما يفعل الوزراء المحسوبون على عون وباسيل. وزيرة الدفاع زينة عكر نموذج واضح، إذ تتمتع بهامش واسع من حرية الحركة تستثمره في خط التواصل مع رئيس الحكومة، ووزيرة العدل ماري كلود نجم بتوقيعها على مرسوم التشكيلات القضائية مهّدت لتوقيع باقي الوزراء ثم رئيس الحكومة، وها هو المرسوم اليوم نائم في أدراج رئيس الجمهورية الذي كان يفضّل ألاّ يخرج من مكتب وزيرة العدل، كي لا يجمّد المرسوم في بعبدا، ولو بعد “بدعة” فصل القضاة المدنيين في المحكمة العسكرية عن صلاحيات مجلس القضاء الأعلى”.
يجزم العارفون أن باسيل عامل “مُتعِب” وغير مريح للحكومة… لكن عن بعد. يبرز هنا تأثيره المستمرّ على رئيس الجمهورية، وهذا عامل أساسي قد يزيد من منسوب العرقلة لعمل الحكومة، خصوصاً أن وجود باسيل خارج الحكومة يجعله “ينفّس” في المكان الخطأ.
في موضوع الكهرباء يحضر خلاف باسيل “الأزلي” مع الرئيس بري حول معمل سلعاتا. الأخير يرفضه بشكل مطلق، وباسيل لا يرى خطة ناجحة للكهرباء من دونه، مع العلم أن هذا الملف، وفق المعلومات، كان حاضراً في اللقاء الأخير الذي جَمَع بري بدياب إضافة الى ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
كثر يجزمون أن باسيل وقف خلف تردّد وزير الاتصالات طلال حواط، المحسوب على النائب فيصل كرامي، بإعلان قرار استرداد الدولة إدارة وتشغيل شركتيّ الخليوي
أما فريق رئيس “التيار” الاستشاري والتقني في وزارة الطاقة فنراه رابضاً على كتف الوزير ريمون غجر ويتدخّل في الشاردة والواردة، مع العلم أنّ غجر يلقى إشادة علنية حول أدائه من قبل قوى سياسية معارضة.
وكثر يجزمون أن باسيل وقف خلف تردّد وزير الاتصالات طلال حواط، المحسوب على النائب فيصل كرامي، بإعلان قرار استرداد الدولة إدارة وتشغيل شركتي الخليوي. وهو الأمر الذي دفع برئاسة الحكومة إلى “البَصم” على قرار الوزير، صاحب الصلاحية الوحيد أصلاً بإصدار هذا القرار، وذلك بإدراجه بنداً على جدول أعمال مجلس الوزراء في 6 أيار الفائت “حين أتى إقراره لتأمين المزيد من الحصانة الحكومية له”، وفق تأكيد أحد الوزراء.
ولا يكتمل “تَعب” الحكومة من المناكفات السياسية إلا مع اندلاع الخلاف “فوق رأسها” بين باسيل وفرنجية في شأن ملف الفيول المغشوش الذي يفترض أن تكون الكلمة الفصل فيه للقضاء، فيما الخلاف المسيحي حول التعيينات، المالية تحديداً، قد يهزّ كيان الحكومة مجدداً مع توافر معلومات مؤكّدة عن طلب رئيس الحكومة تقديم سير ذاتية جديدة للمرشحين “بسبب عدم توافر الشروط المطلوبة في السير القديمة والذي ارتقى بعضها الى حدّ الفضيحة”، على حدّ تعبير قريبين من الرئيس دياب.
كل هذه الوقائع تدفع الى السؤال المتداول “همساً” داخل أوساط سياسية جدّية ، متى ينقلب باسيل على الحكومة؟