قال خامنئي: “أعتقد أن الإمام حسن المجتبى، أشجع شخص في تاريخ الإسلام. فهو استعد للتضحية بنفسه وباسمه بين أصحابه والمقربين، في سبيل المصلحة الحقيقية، فخضع للصلح، كي يتمكن من صون الإسلام وحماية القرآن وتوجيه الأجيال القادمة في التاريخ إلى وقتها”.
مثل هذا الموقف، أطلقه الخامنئي في أيلول العام 2013، عندما بدأت المفاوضات السرية بين أميركا وإيران. وتحديداً بعد أيام على عقد لقاء سري بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
وتلك المفاوضات التي كانت برعاية سلطنة عمان وسويسرا، أدت إلى توقيع الإتفاق النووي في العام 2015. وأن يكرر خامنئي هذا الموقف في المرحلة الراهنة، يعني أن شيئاً ما تحرك على صعيد المفاوضات بين البلدين.
قد تكون الحال بين البلدين هذه المرّة، أصعب على إيران، وتفرض عليها تنازلات، تكسب شيئاً ما في مقابلها.
القبول بالكاظمي
هناك مؤشرات تدل إلى أمكان تحرك مسار المفاوضات في الوقت الحالي: السماح بتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي في العراق، وباستيرادها الكهرباء من إيران لمدة 6 أشهر، ورفع الحظر عن استيرادها الغاز.
تشكيل حكومة الكاظمي، الذي كانت ترفضه إيران، واتُّهم في مرحلة من المراحل بأنه من الضالعين باغتيال قاسم سليماني، ليست أمراً تفصيلياً.
بل هي تشير إلى حجم التنازل الإيراني، خصوصاً وأن الكاظمي اتخذ سريعاً قرارات أمنية وعسكرية مخالفة للتوجهات الإيرانية: إعادة اللواء عبد الوهاب الساعدي وترقيته، والإفراج عن كل معتقلي التظاهرات.
لبنان وسوريا
المسار الذي سلك في العراق، قابلته تهدئة مفاجئة في لبنان: قبول أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بالذهاب إلى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وقد تبدأ هذا الأسبوع.
تعويم عهد ميشال عون وحكومة حسان دياب، بعد انعقاد مصالحات سياسية.
ولا بد لهذا المسار أن ينعكس في سوريا أيضاً، وسط معلومات عن انسحابات إيرانية من بعض المواقع والمناطق. وهذا لا يعني انسحاباً إيرانياً كاملاً من سوريا طبعاً، بل إعادة تموضع. وهذا يتعلق مستقبلاً بمفاوضات وحسابات قوى مختلفة، أهمها إسرائيل التي كثّفت من عملياتها العسكرية ضد الأهداف الإيرانية، في إطار عملها على تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا.
بمجرد أن يفتح باب التفاوض، يعني عدم الاستمرار بسياسة كسر العظم ضد إيران. وهذا يسقط كل محاولات إخراج إيران بالقوة من سوريا أو من المنطقة أو تحجيم نفوذها.
المفاوضات الحالية قد تختلف عن المفاوضات في عهد باراك أوباما، لأن الإتفاق سيشمل كل ملفات المنطقة ولن يكون محصوراً بالإتفاق النووي. وبعض بوادر تحرك المياه الراكدة، يتجلى في الموقف الأميركي بسحب القطع العسكرية من الخليج، ما يعطي إشارة تخفيف الضغط على إيران.
ستكون سوريا ولبنان المسرح الأوسع لانعكاسات هذه المفاوضات. وقد تندفع الولايات المتحدة الأميركية إلى الضغط أكثر والتشدد في فرض شروطها. وقد تستمر في تشديد العقوبات لدفع إيران إلى تقديم تنازلات أكثر.
فتغريدة الخامنئي تشبه موقف الخميني بتجرّع كأس السم بعد الحرب الإيرانية العراقية.
وأمس كان لبنان من مسارح تقديم التنازل للأميركيين: إطلاق سراح عامر الفاخوري. ولا بد أن ينعكس في المزيد من المؤشرات والملفات.
تنازلات إيرانية
عندما غضت الولايات المتحدة الأميركية النظر عن دخول إيران وإطلاق يدها في المنطقة، كان ذلك يلبي مصلحة استراتيجية أميركية تؤدي إلى الانسحاب من هموم المنطقة، وعدم الغرق في تفاصيلها.
وقبل أيام أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا وجوب خروج كل القوات الأجنبية من سوريا، بما فيها الأميركية، باستثناء بقاء القوات الروسية الموجودة قبل العام 2011.
وهذا مؤشر لما ستكون عليه الأوضاع في المرحلة المقبلة.
لكن من المستحيل أن تسحب إيران قواتها كاملة من سوريا، إنما قد تعيد التموضع، وقد تسحب بعض القطع مع الاحتفاظ بالنفوذ الأمني والسياسي.
المصلحة الاستراتيجية الأميركية في العمل العسكري الإيراني في سوريا، تجلّت في التغيير الديمغرافي وتمزيق الجغرافيا السورية، وما كان لذلك من انعكاسات سياسية بعيدة المدى، طاولت لبنان بالتحديد، فغلب المحور الموالي لإيران على المحور المناهض لها.
وهذا الخلل الاستراتيجي تستثمر به إيران في العديد من الأوراق، مقابل دفعها إلى المزيد من التنازلات، بشكل توازن به بين المنزلتين.
فكما تنازلت في العراق، ستتنازل في لبنان وتحديداً لتمرير ملف ترسيم الحدود والتنقيب عن النفط، وصولاً إلى الصواريخ الدقيقة، مقابل تعزيز حضور حزب الله ودوره على الساحة المحلية، لتعود إلى معادلة إسرائيل آمنة وإيران منضبطة.