“العفو الخاص” على طاولة بعبدا: مزاج الرئيس يسمح!

بمرسوم واحد أو مئات المراسيم.. العفو الخاص سيمرّ من بعبدا

13 مايو 2020
“العفو الخاص” على طاولة بعبدا: مزاج الرئيس يسمح!
نادر فوز
نادر فوز
يبدو أنّ وزيرة العدل، ماري كلود نجم، مستعجلة في تسجيل إنجاز في مسيرتها الوزارية. فتضع الأخيرة اللمسات الأخيرة على لوائح محكومين وموقوفين، قبل إحالتها إلى رئيس الجمهورية، لإصدار المراسيم اللازمة وإطلاق سراح المساجين، بحجة مواجهة الاكتظاظ في السجون في ظلّ جائحة كورونا.
نقطة في بحر
وحسب ما أشارت مصادر نيابية وقانونية لـ”المدن”، فإنّ العفو الخاص سيشمل “ما بين 300 و400 سجين وموقوف بحسب المعايير التي وضعتها اللجنة المكلّفة”. وفي حال تمّ إطلاق ما معدّله 350 سجيناً، يكون العفو الخاص قد خفّض نسبة 5.5 في المئة من إجمالي عدد النزلاء في السجون. إذ يبلغ عدد نزلاء السجون في لبنان 6386 نزيلاً، بحسب الرقم الصادر عن مديرية السجون في وزارة العادل بتاريخ 27 نيسان 2020.

وبالطبع هذه النسبة لا تحصّل شيئاً في عملية تدارك الاكتظاظ الحاصل في الزنازين، ولا ترحم المئات من أصحاب الجرم “الخفيف”، إن جاز التعبير. فلا يغدو قرار العفو الخاص سوى نقطة في بحر آلاف القابعين في السجون بظروف غير إنسانية ولا صحية.

العفو الخاص، متراس على قياس نجم، يحميها ويحمي فريقها السياسي الذي تمثلّه، إن وافقت أو لا، من حقيقة العفو العام الذي تتمّ مناقشته في لجنة فرعية في البرلمان، بعد إحالته إليه خلال الجلسة التشريعية الأخيرة. لا تريد نجم، ولا التيار الوطني الحرّ خلفها، السير في إقرار قانون عفو عام. فالأخير لا يعني لهما شيئاً، والمستفيدون منه لا يمّتان لهما بأي صيلة.

هم مساجين محسوبين على بيئة حزب الله وحركة أمل، مساجين مخدّرات من جهلة، وعلى تيار المستقبل والبيئة السنية، مساجين إسلاميين ومحكومين لتشكيل عصابات أشرار واجهت الجيش من جهة أخرى. فيسير التيار الوطني الحرّ في وسيلة أخرى، العفو الخاص، يتحكّم بكامل تفاصيله من ألفه إلى يائه. والقانون يسمح بذلك.

قرار شخصي
العفو الخاص، كما تشير إليه الكلمة، عفو شخصي يصدر بالاسم وفقاً لمعايير شخصية ومقاربات شخصية. إلا أنّ الدستور يكفل لرئيس الجمهورية هذا الحق حصراً ومنفرداً، بحسب المادة 53. وإن كان لا بد من إنعاش الذاكرة بعفو خاص صدر مؤخراً، فكان ذلك عام 2019، عن رنا بروس معوّض. الأخيرة حكمت المحكمة عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة عام 2018، ثم منحتها الأسباب التخفيفية، فأعادت حكمها بالأشغال الشاقة الموقتة لمدة 15 عاماً لترويجها المخدرات. إلا أنّ رئيس الجمهورية عاد ومنحها العفو الخاص من دون أي اعتبار لرأي لجنة العفو الخاص والنيابة العامة التمييزية، لعدم وجود ما يبّرره. فيمكن لأي مرتكب ومحكوم أن يصرخ في أذن الرئيس “أنا بريء يا بيه”! فيطلق سراحه ويعفى من عقوبته.

معايير نجم واللجنة الغامضة
استباقاً لكل هذا، تؤكد الوزيرة نجم أنها شكّلت لجنة استشارية لجمع لوائح المساجين الذي من المفترض أن يشملهم العفو الخاص، من دون أن يعرف أحد من هم الأعضاء ولا وظيفتهم ولا أهواءهم السياسية. مع العلم أنه يمكن لأعضاء هذه اللجنة أن يكونوا على درجة عالية من الاحترافية والمهنية، لكن يبقى العنوان الأساسي أنّ العفو الخاص أمر شخصي محض.

ومن بين المعايير التي وضعتها نجم واللجنة الاستشارية أن يشمل العفو من هم فوق الـ75 عاماً. وفي هذا الإطار، تشير مصادر قانونية لـ”المدن” إلى أنّ “عدد هذه الشريحة العمرية ممن يشملهم العفو لا يتعدّى 6 نزلاء في السجون”. وإضافة إلى هؤلاء الستة كل المحكومين الذين لا يزالون في السجن لعدم تسديدهم الغرامات المتوجّبة عليهم، وكل من تبقّى من فترة محكوميّتهم أقل من سنة. مع العلم أنّ الاقتراح الأولي لنجم كان يقضي بأن تكون يشمل العفو فقط من تبقى من محكوميتهم بين 4 و6 أشهر. لكن تبينّ أنّ هذا العدد قليل، فتم رفع الهامش إلى حدود السنة.

إشكالية المراسيم
لم يقرّر بعد إن كان العفو الخاص عن المساجين سيصدر في مرسوم واحد يشمل كل الحالات، أو مراسيم إسمية يحمل كل منها اسم نزيل تمّ إعفاءه من العقوبة. لكن ما يجدر التنبّه له في هذا الإطار إلى أنّ إلزامية نشر هذه المراسيم غير كاملة، على اعتبارها مراسيم اسمية تبلّغ للشخص المعني فقط. وهو ما يمكن أن يحول دون إطلاع اللبنانيين على مضمون المراسيم وأسماء أصحابها. وهذا سبق أن حصل في مراسيم التجنيس التي اضطرت السلطة إلى إعادة نشرها على موقع الأمن العام اللبناني بعد جملة من المطالبات السياسية والضجيج الإعلامي التي أثيرت حول الملف.

تطييف العفو

وتبعاً لذلك، يمكن تمرير عفو عن عملاء لإسرائيل ربما، أو تجّار مخدرات وبشر. لا يهمّ طالما أنّ العفو العام مؤجّل، ولا يخدم العهد بشيء. كأنّ العهد، أو رمزاً منه، يواجه رغبات حلفائه وخصومه على حد سواء. يريد السير وحده، والتصدّر وتحقيق المكاسب منفرداً. هذه لغة التحدّي. وإن أردنا قولبتها وفق المنطق اللبناني الطائفي الرذيل، فيمكن القول إنّ العفو العام للمسلمين، والعفو الخاص للمسيحيين، من دون زياد ولا نقصان. وإن قررنا الدخول في نفق الطائفية والتطييف -ولا مهرب أن تدخله بعض التيارات والأحزاب والقيادات- فسنراجع لاحقاً التوزيع الطائفي لمن شملهم العفو الخاص. هذه طبيعة الطائفية القذرة.

مزاج الرئيس ومن حوله يتحكّم بالعفو الخاص، ولو عارض مزاج 5 مليون نسمة. ويبدو أنّ مزاج الرئيس يسمح بذلك. “أنا بريء يا بيه”، جملة سحرية يمكن للرئيس أن يصدّقها ويصادق عليها من فم أي مرتكب، السرّ في الهمسة ومطلقها فقط.