الجولة الثانية
وتتحضر وزارة المال والفريق المفاوض للجلسة الثانية مع صندوق النقد الدولي فجر الثلاثاء المقبل بتوقيت بيروت. ويحمل الوفد الذي يرأسه وزير المال غازي وزني لائحة بالاجوبة والاستفسارات التي طلبها الصندوق ولا سيما مايتعلق بالتفاصيل عن الاصلاحات التي تنوي الحكومة القيام بها في القطاعات التابعة للدولة عموما ولا سيما في قطاع الكهرباء الذي ركز عليه الصندوق في الجلسة الماضية، معتبرا هذا القطاع بانه الثقب الاساسي الذي يكلف سنويا قرابة خمسة مليارات دولار وبلغت تكلفته في السنوات العشر الماضية ما يقارب ٤٧ مليار دولار حسب استقصاءات الصندوق، وهو مايستنزف الجزء الاكبر من مالية الدولة ومن مسببات الازمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان ولابد من تقديم مقترحات محددة ومضمونة للصندوق للتأكد من جدية الحكومة في معالجة هذا القطاع ووضع حد لاستنزافه لمالية الدولة اللبنانية.
وتقرر أن يرأس وفد المصرف المركزي في الجلسة الثانية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حيث من المرتقب أن يتولى شخصيا شرح ارقام الدين العام وغيرها استنادا إلى إحصاءات المصرف المركزي وهي ارقام تختلف عما ورد في خطة الحكومة للانقاذ المالي وكان الحاكم قد ذكرها في اطلالته الاعلامية مؤخرا. كما سيتولى الحاكم عرض رؤيته ومقترحاته لحل الازمة وهي تختلف عما تضمنته خطة الحكومة بهذا الخصوص.
وقد رسم تصريح لوزير المال الى وكالة الصحافة الفرنسية امس عناوين الملفات الخطيرة والمعقدة التي يرجح ان تبدأ رحلة التفاوض تشق طريقها نحو النقاش الصعب حولها. واعلن وزني في هذا السياق ان لبنان مستعد لتلبية طلب صندوق النقد الدولي بتعويم سعر صرف الليرة اللبنانية لكن بعد تلقيه الدعم الخارجي على ان يعتمد في المرحلة المقبلة سعر صرف مرن. وكشف ان صندوق النقد يطالب دائما بتحرير سعر صرف الليرة ويريد توحيد أسعار الصرف والتعويم لكن الحكومة اللبنانية طلبت مرحلة انتقالية تمر بسعر الصرف المرن قبل ان نصل الى التعويم. وأبدى وزني خشيته من تبعات عدة للتعويم الفوري بينها التدهور الكبير في سعر صرف الليرة. ولعل اللافت في كلام وزير المال أيضا انه اكد ان هيكلة المصارف ستتم خطوة بخطوة كاشفا ان في لبنان 49 مصرفا تجاريا “ومن الطبيعي ان ينخفض الرقم الى نحو النصف في المرحلة المقبلة “.
وفي لقاء المفاوضات الأولية بين لبنان وصندوق النقد قبل يومين، بدا وفد الصندوق واضحاً في طلبه تحرير سعر صرف الليرة، وهو ما أكده وزني في تصريحاته أمس، لتأتي تصريحاته كردّ إيجابي على ما جرى نقاشه في الاجتماع المغلق!
مصادر نيابية شاركت في نقاشات لجنة المال والموازنة، اعتبرت عبر “الأخبار” موقف وزني “متقدّماً” عن النقاشات القديمة، بشكلٍ سلبي طبعاً. فوزني، وأمام لجنة المال والموازنة، ردّ على سؤال، نافياً أن تكون الخطة قد تبنّت تحرير سعر الصرف. وأوحى لسائليه بأن الخطة استندت إلى الأرقام المتداولة في السوق لتقرّر خياراتها تجاه سعر الصرف، ولم تتبنّ عملياً تحرير سعر الصرف. وتقول المصادر إن “أحداً في الدولة لم يعد مؤمناً بقدرة الدولة على أداء الدور في ضبط سعر الصرف، لأن هذا استنزاف كامل وليس لديها القدرة لذلك، كما أن ترك السوق على حريته، هو سياسة غير حكيمة ومشاكلها كبيرة، ولا نستطيع تحرير السعر بما ينعكس بشكل خطير على السلع الرئيسية”. مسألة أخرى تطرحها المصادر النيابية، وتقول إنه خلال النقاشات في المجلس النيابي بعد 17 تشرين، أكّد أكثر من خبير أن تقديرات صندوق النقد الدولي حول السعر الحقيقي لسعر صرف الليرة أمام الدولار هو 2800 ليرة. اليوم، وقبل القيام بأي خطوة، يتعدى سعر الصرف الـ 4000 ليرة، ما يعني أن هناك مبلغاً محسوباً بالارتفاع من سعر الصرف يسببه التسيّب وعمليات المضاربة والاحتكار، وليس بالضرورة بسبب الأوضاع الاقتصادية، وخصوصاً أن الحكومة والأجهزة القضائية لم تصل لغاية الآن إلى نتيجة ملموسة لضبط السوق. ويختم المصدر أن “البلد بحاجة إلى مرحلة انتقالية، لكن في مطلق الأحوال لا يمكن اعتماد تحرير سعر الصرف بشكل مطلق، ومن مهام مصرف لبنان التدخل بطريقة مسؤولة”.
التحقيقات المالية
وتزامنت هذه الصورة المشدودة ماليا مع تطور لافت في ملف التلاعب بسعر الدولار المفتوح قضائيا اذ انه غداة توقيف مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان انعقدت الهيئة الخاصة بمكافحة تبييض الأموال واتخذت قرارا برفع السرية عن العمليات التي جرت مع الصيارفة بغية تزويد المدعي العام المالي إياها.
وبقيت مسألة توقيف مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان مازن حمدان تتفاعل، لا سيما في ضوء تطورين: الأوّل يتعلق بإحالته موقوفا مع ملفه إلى قاضي التحقيق الأوّل في بيروت، والثاني الكشف عن اعترافه بأن العمليات الجارية تتم بعلم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وبحسب ما علمت “الأخبار”، فإن قرار المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم بعدم استدعاء سلامة إلى التحقيق في مفرزة الضاحية القضائية، لم يصدر لأسباب محض شخصية متصلة بالقاضي نفسه، ولا بسبب الغطاء الداخلي الذي يحظى به سلامة، وحسب، بل إن تدخلاً واضحاً قامت به السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، ساهم في حماية حاكم مصرف لبنان. وبحسب مصادر معنية، اتصلت شيا بمسؤولين حكوميين، وأبلغتهم بوضوح أن “أي انتقام سياسي من سلامة، بذريعة التحقيقات”، ستكون له تبعات كبيرة. وأتى موقف شيا بعد الإشارات التي قيل إنها أوحت بها سابقاً، لجهة استعداد بلادها للبحث في مواصفات المرشّحين لمنصب حاكم مصرف لبنان.