لم يتمكن مصرف لبنان، صباح الاثنين 18 أيار، من افتتاح المنصة الدولارية التي يفترض أن تضخ الدولارات في السوق وتتحكم بأسعار العملات.
هناك سببان. الأول، تقني. والثاني، سياسي.. وهو الذي لن يؤدي إلى نجاح إطلاق هذه المنصة. السبب التقني يتعلق بعدم القدرة على ربط كل الصرّافين بشبكة واحدة وشاشات موحدة، يتمكن من خلالها مصرف لبنان من مراقبة حركة التصريف لديهم.
والسبب السياسي المرتبط بشكل وثيق بالوضع النقدي، هو أن أي قدرة على ضخ الدولارات في الأسواق، ستكون مقابلها القدرة على امتصاصها سريعاً أقوى. وهذا يرتبط بقرار دولي حاسم بعدم السماح بضخ الدولارات في الأسواق، كي لا يتم تحويل جزء أساسي منها إلى سوريا.
سر شتورا
تشير المعلومات إلى أن ضغوطاً سورية تمارس على الحلفاء في لبنان، من أجل توفير كميات دولارية في الأسواق، ليتم تحويلها إلى سوريا بعد شرائها.
ومن الواضح مراراً أن سعر الدولار ما أن يبدأ بالارتفاع، يكون مصدر ارتفاعه أولاً في شتورا وعموم المناطق البقاعية. وهذا بسبب كثرة الطلب عليه لتحويله إلى سوريا.
ثم أن عمل الأجهزة الأمنية اللبنانية أدى إلى توقيف العديد من الصرّافين والعاملين على خط الدولار وتصديره إلى سوريا، وبعضهم من الجنسية السورية أيضاً، الذين أقروا بتحويل الدولارات إلى سوريا.
ويوم خرج رياض سلامة في كلمته الموجهة إلى اللبنانيين، للرد على الاتهامات التي تطاوله، عرّج بطريقة غير مباشرة على تهريب المواد المدعومة إلى سوريا.
وبالتالي، استفادة السوق السورية من هذه المواد ودعمها لبنانياً بدولارات المصرف المركزي. كما مرر في إشارة أخرى عن تحويل الدولارات إلى الخارج، ليس فقط عند العمال الأجانب، ولكن ما كان يقصده بالتحديد هو تحويل الدولارات إلى سوريا.
وبنتيجة ذلك، فإن لبنان أصبح مشمولاً بكل هذه الضغوط الاقتصادية والمالية الممارسة عليه أميركياً.
“قانون قيصر” وسباق مع الزمن
على ما يبدو، فإن المعركة مع حاكم مصرف لبنان ستشتد في الأيام المقبلة، والضغط عليه سيزداد في إطار الحرب المفتوحة، بغية ضخ دولارات في الأسواق، ليتم الاستفادة منها وتحويلها إلى سوريا.
وحسب ما تشير مصادر متابعة، فإن أركان النظام السوري وحلفائه يضغطون بكل الاتجاهات بغية توفير هذه الأموال، ليتم تحويلها إلى سوريا، خصوصاً قبل أسبوعين من دخول قانون قيصر حيز التنفيذ.
وهذا القانون يفرض عقوبات قاسية على النظام السوري، ومن المتوقع أن يفرض عقوبات على كل المتعاونين والمساعدين للنظام، أو الذين يعملون على مساعدته بالالتفاف على هذه العقوبات.
سيكون لبنان وسوريا في سباق مع الزمن.
ومن الواضح أن الضغوط الأميركية لن تقف عند هذه الحدود.
وكلما اشتد خناق العقوبات، سيشتد الضغط الاقتصادي في لبنان، وستتصاعد المعركة بين الحكومة ومن هم وراؤها وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. صراع يدفع اللبنانيون ثمنه.
معادلة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، حول ضبط الحدود ووقف التهريب، والتي لخصها بوجوب التنسيق مع سوريا، تندرج في هذا السياق.
وهي استمرار قتال حزب الله السياسي إلى جانب النظام السوري، في ظل التنافس الإيراني الروسي على الإمساك بالنظام، وفي ظل الصراعات التي تعصف بالنظام وبنيته، بسبب حاجته الماسة إلى الموارد المالية.
“الحزب” وباسيل
كل المعلومات والتقارير الغربية تفيد بأن الوضع في سوريا سيذهب إلى مزيد من الانهيار، والنظام لن يكون قادراً على الصمود وتوفير مقومات البقاء له ولمؤسساته.
إيران غير قادرة على رفده بالدعم المالي اللازم. وروسيا لا تريد ذلك. بينما لبنان يستخدم كمنصة بديلة، لكنها أيضاً لن تكون قادرة على الصمود.
أراد نصر الله الإلتفاف على قانون قيصر، كما التف حزب الله من قبل على العقوبات الأميركية المصرفية.
الالتفاف هذه المرة يأتي بشكل سياسي عبر تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وتوجيه رسائل حاضنة له، من قبيل أن لبنان سيبقى مجاله الحيوي، برعاية الحزب، والذي يريد أيضاً أن يحتفظ بمجاله الحيوي في سوريا نفسها للحفاظ على سعة نفوذه وأسباب قوته.
معادلة نصر الله واضحة، وتعني أن الضغوط ستستمر، وقد تلقفها رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل بشقين، الشق الأول تجاوباً مع الحزب في طرحه، والثاني انتقاد للحزب في مسألة التهريب واتهامه الأجهزة الأمنية “بالتواطؤ أو غض النظر والتعاون مع قوى الأمر الواقع”.
لم يوضح باسيل من قصد بـ”قوى الأمر الواقع”.
وقد تكون إشارة منه إلى الأميركيين أنه غير راضٍ على “التهريب”، طمعاً بعدم شموله بالمزيد من الضغوط. والشق الثاني، انتقاداً للحزب، من خلال اعتبار أن الحزب يتركه وحيداً في مكافحة الفساد، بمواجهة القوى السياسية الأخرى.
موقف باسيل المتوجه فيه إلى حزب الله، انطوى على مبدأ: “خذ مني في الخارج ما تريده، ولكن اعطني في الداخل ولا تتركني وحيداً”.