“أنصح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتخلّي عن مستشاريه وأن يكون رئيس جمهورية كلّ اللبنانيين”. بهذه الكلمات أنهى المرجع الدستوري الدكتور حسن الرفاعي مطالعته حول الجدل الدستوري والقانوني الذي يرافق مرسوم التشكيلات القضائية وتمنُّع الرئيس ميشال عون عن توقيعها.
الرفاعي يرى في تصرّف رئيس الجمهورية “مخالفة دستورية تستحقّ المحاكمة”، ويقول في حديث لـ”أساس” إنّ “الاقتراح يأتي من مجلس القضاء الأعلى فيضع قائمة بأسماء القضاة لإتمام التشكيلات، وتُحال اللائحة إلى وزير العدل، وزير العدل بدوره له الحقّ أن يعترض لأسباب موجبة، مثل أن يكون أحد القضاة عليه تفتيش. فإذا كانت الأمور جديّة، حينها على المجلس القضاء أن يأخذ بها، أما إذا لم تكن جديّة وليس ثمة مجال للاعتراض، أو إذا كان الاعتراض لا قيمة له إطلاقاً، وعندما يصرّ مجلس القضاء الأعلى مرّة ثانية على التشكيلة، تصبح، وفقاً للقانون، موجبة، وعلى رئيس الجمهورية أن يوقّعها، وصلاحياته في هذا المضمار هي صلاحية مقيّدة لا يجوز إطلاقاً ألا يوقّعها، وإلا يكون قد خالف موجبات الوظيفة واستحقّ المحاكمة وفقاً لأحكام المادة 60 هذا من الوجهة القانونية”.
وتابع قائلاً: “الكارثة التي وصلنا إليها في الاستهزاء من السلطة القانونية والدستورية حصلت في هذا العهد”.
ولدى سؤاله عن تحجّج “القصر الجمهوري” بوجود نوعين من المراسيم، أجاب: “هذا لاعلاقة له بالموضوع، فهناك مراسيم عادية ومراسيم في مجلس الوزراء وهذا بحث آخر، في التشكيلات القضائية أصبح رئيس الجمهورية ملزماً وصلاحيته مقيدة وفي حال حصل عكس ذلك يكون قد خالف الدستور وخالف موجبات الوظيفة مع الإشارة إلى أنّ المخالفة اليوم أصبحت عادة في لبنان”.
وعن تقييمه دستورياً لهذا العهد قال: “الدستور في أكثر الأحيان كان يُخترق وخاصّة لسوء حظّ رئيس الجمهورية أنّه يملك العديد من المستشارين الذين يريدون إقناعه بنظريات، وكأنّنا في نظام رئاسي. وهذا يشكل خطراً كبيراً على كيان لبنان بأكمله. فلبنان اليوم مثل ميزان “الصايغ” إذا تعدت فئة على فئة أخرى اختلّ التوازن”.
من جهته الخبير الدستوري الدكتور صلاح حنين قال تعليقاً على مرسوم التشكيلات: “لن أتناول الموضوع دستورياً بل من الشقّ السياسي. فهناك خطوط عريضة في هذه المرحلة. يوجد رئيس مجلس قضاء أعلى يملك ثقة الناس وهم عملوا لفترة 3 شهور للوصول إلى نتيجة ترضيهم، لتكون هذه التعيينات القضائية خارجة عن التجاذبات السياسية”. ويسأل في حديث لـ”أساس”: هل يمكن عدم إعطاء ثقة لمجلس القضاء الأعلى ولرئيسه المشهود له بأدائه الممتاز جداً؟ من وجهة نظري لندع هذه التعيينات تحصل كما حصلت في السابق”.
وبدوره وزير العدل الأسبق الدكتور ابراهيم النجار رأى في القضية مخالفة قانونية فقال لـ”أساس”: من الناحية القانونية هناك أصول وهذه الأصول يجب أن تسير وفق القوانين المعتمدة وليس وفقاً للدستور. فهذه ليست مسألة دستورية بل مسألة قانونية لأنّ القانون الذي ينظم المرفق القضائي يضع أصولاً للتشكيلات، والتشكيلات يضع مشروعها مجلس القضاء الأعلى الذي يرفعها إلى وزير العدل، الذي بدوره يمكن أن يبدي ملاحظاته ويعيد المشروع إلى مجلس القضاء الاعلى وبعدها يجتمع مجلس القضاء الأعلى ويتخذ موقفاً من ملاحظات وزير العدل. هذا الموقف يكون إما إصراراً على المشروع وإما تعديلاً. أما إذا أصرّ مجلس القضاء العدلي بأكثرية 7 أصوات من أصل 10 يصبح المشروع بحكم النافذ والواجب تطبيقه. عندئذٍ يُعاد المرسوم إلى وزير العدل”. وهنا مسألة غفل عنها الجميع وهي أنّ “صلاحية وزير العدل ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير المال ووزير الدفاع هي صلاحية مقيّدة، لا يمكنهم الدخول بكيفية النظر أو إعادة النظر بمشروع التشكيلات هم فقط عليهم إصدارها. أي يجب أن تنشر بعد الموافقة عليها لا يحقّ لهم الاعتراض. وبعبارة أخرى بموجب مرسوم لا يتّخذ داخل مجلس الوزراء إنّما بمرسوم يوقّع عليه وزير العدل ووزير المال ووزير الدفاع ورئيس الوزارة مع رئيس الجمهورية الذي هو ملزم بالتوقيع. وإن لم يوقع رئيس الجمهورية على المرسوم نستطيع القول إنّها مخالفة قانونية ويمكن الطعن أمام المجلس الدستوري بعدم التوقيع”.
مجلس القضاء الأعلى هو سلطة قضائية وليس سلطة إجرائية. وما يحصل الآن هو مخالف للقانون وليست هي المرة الأولى
وأضاف النجار: “خلال فترة ولايتي في الوزارة، بعد توقيف الرئيس الأسبق إميل لحود التشكيلات لمدة 5 سنوات بسبب خلافه مع وزير العدل شارل رزق، الذي لم يستجب لطلبات رئيس الجمهورية حول القاضي قزّي في حينه، وكان يوجد 109 قضاة أنجزوا دروسهم في معهد الدروس القضائية وكانت تشكيلاتهم ورواتبهم متوقفة لمدة 5 سنوات، عند استلامي الوزارة عملت على وضع تشكيلتين، تشكيلة كاملة وشاملة عام 2009 ثم تشكيلة أخرى عام 2010. في حينها عندما كان مجلس القضاء الأعلى يتّخذ القرار، وكنتُ أملك متسعاً من الوقت للتشاور مع رئيسي الجمهورية والحكومة وكانا يقولان لي: عند إتمام المشروع سنوقعه “زيّ ما هو”. ففي القانون هناك قرارات ومراسيم يجب أن يتمّ التوقيع عليها من قبل المراجع الدستورية، ليس للتعديل عليها، إنّما من أجل إصدارها في الجريدة الرسمية يجب أن تخرج إلى العلن وتخرج حيّز التطبيق”.
إذا فإنّ مجلس القضاء الأعلى هو سلطة قضائية وليس سلطة إجرائية. وما يحصل الآن هو مخالف للقانون وليست هي المرة الأولى. في القانون هناك حالات مختلفة. هناك ضعف في فهم القانون وهناك حالات تسمّى “الصلاحية المقيّدة”، وهذا اليوم قانون لا ينفّذه أحد لأنّهم يعتبرون أنّ توقيعهم هو ملكهم ولكن في الحقيقة ليس ملكهم. هم يقومون بوظيفة دستورية وليسوا سلطةُ دستوريةُ، وهذا هو الفرق الكبير”.