وتعزّزتْ في بيروت أمس، ملامح المُخاطرة الكبرى التي خاضت السلطات اللبنانية غمارها بإعلانها فتْح البلد، ولو جزئياً، تحت وطأة نداءات الاستغاثة من قطاعات اقتصادية وتجارية أعلن بعضها “بدء مراسم تشييعه” (مثل المقاهي والمطاعم والماهي والباتيسري) بفعل الاستنزاف الكبير الذي تعانيه جراء الأزمة المالية والنقدية غير المسبوقة، وسط استشعارٍ رسمي بالتداعيات الكارثية لأي تَفَلُّتٍ لإصاباتِ “كورونا” التي استعادت مسارها التصاعدي في ظلال علمية إجلاء المغتربين وعدم التزام العائدين كما المقيمين، مقتضيات الحَجْر المنزلي وإجراءات الوقاية.
وفيما كان المجلس الأعلى للدفاع يوصي بتمديد حال “التعبئة العامة” أسبوعين حتى 8 حزيران المقبل، وهو ما ستأخذ به الحكومة في جلستها غداً، أطلق رئيس الوزراء حسان دياب في الجلسة الحكومية التي انعقدت قبل الظهر في القصر الجمهوري مواقف بالغة التعبير عن دقة المرحلة “كورونياً” كما عن مناخٍ يوحي وكأن السلطة “اقتيدت” إلى معاودة تخفيف إجراءات التشدد رغم محاذيرها الكبرى، إذ حذّر بإزاء المشاهد “المُرْعِبة” التي ارتسمت في الساعات الـ48 الماضية لتجمعاتٍ وتراخٍ في اعتماد الكمامات وشروط التباعد الاجتماعي من أنه “إذا استمرت حالة الفلتان، فسنعيد إقفال البلد بشكل كامل وسنفرض إجراءات غير مسبوقة تفادياً لأي تفلت للأمور”، مناشداً اللبنانيين “ألا يستخفّوا بكورونا وأن يتخذوا تدابير الحماية وأطلب من القوى الأمنية أن تتشدّد بفرض التدابير، وإلا فسنكون أمام مشكلة كبيرة”.
وترافَقَت “النقزة” الرسمية مع أصوات نيابية دعت إلى “التحضرّ للأسوأ”، وقرْع رئيس لجنة الصحة النيابية ناقوس الخطر من الوصول إلى “مناعة القطيع التي ستكون مُكْلِفَةً جداً على النظام الصحي في لبنان وعلى المواطن”، وذلك غداة تسجيل 20 إصابة لمقيمين بينهم 18 عاملاً من التابعية البنغلاديشية قبل أن يُعلن أمس عن 23 حالة جديدة (8 مقيمين و15 وافدين) ليرتفع العدد الإجمالي إلى 954 (بينهم 251 حالة شفاء و26 وفاة)، في ظل خشية من تضخُّم الأرقام في فترة عيد الفطر السعيد ولا سيما في ظل استعادة غالبية القطاعات التجارية حركتها مع بعض الاستثناءات (مثل المجمعات التجارية والأندية والشواطئ والكازينو ودور السينما).
ولم يكن هديرُ الهلعِ الزاحفِ من خلْف تخفيف القيود على جبهة “كورونا” كافياً لحجْب عنوان الانهيار المالي الجاثم على كاهل لبنان الذي وجد نفسه، في غمرة انخراطه في المفاوضات الشائكة مع صندوق النقد حول برنامج تمويلي استناداً إلى خطة الإصلاح التي أقرّتْها الحكومة، في قلْب ممرّ لا عودة فيه إلى الوراء من دون اتفاقٍ وفق شروط الـIMF الإصلاحية لضمان سدّ ثقوب الهدر والأكلاف المالية الكبيرة وانتظام عمل المؤسسات الرقابية (ولا سيما الكهرباء، ضبط الحدود ووقف التهريب عبر المعابر مع سوريا والمرافئ، والتعيينات المالية والقضائية والهيئات الناظمة وحجم القطاع العام وغيرها)، وهي الشروط التي صارت مرتكزاً لـ”وحدة المسارٍ” بين نتيجة المفاوضات مع الصندوق وأي إفراج عن مخصصات مؤتمر “سيدر” الذي تراهن عليه بيروت ليكون رافعة تنموية بمشاريعه تكمل “التصفيح” المالي الذي سيوفّره الصندوق.
وإذا كان الاجتماع التفاوُضي الثاني بين لبنان وصندوق النقد والذي شارك فيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (على عكس الاجتماع الأول) جاء على طريقة “تأكيد المؤكد” لجهة عرْض الأخير لأرقام الدين العام وخسائر المركزي والقطاع المصرفي وفق منهجيته التي تتعارض مع المقاربة التي اعتمدها خطة التعافي، ولو من دون أن يُظْهِر هذه الأرقام على أنها في سياقٍ “اشتباكي” مع الحكومة، فإن الأنظار تتجه إلى جولات التفاوض اللاحقة التي ستطول وبينها جلستان مرجّحتان اليوم وغداً (تجري المفاوضات عبر تقنية الفيديو كول) وينتظر الـIMF خلالهما رداً من الجانب اللبناني حول آليات تنفيذ الإصلاحات المطلوبة التي كانت “نجمة” الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة مع ممثلي الدول المعنية بمؤتمر “سيدر”، الاثنين، وشارك فيها عن بُعد السفير المكلف مواكبة تنفيذ مقررات “سيدر” بيار دوكان.
وشكّلت خلاصات هذا الاجتماع حَدَثاً في بيروت نظراً إلى ما كرّستْه على مستوييْن:
• ربْط تسييل مخصّصات “سيدر” بنجاح التفاوض مع صندوق النقد، وسط تأكيد فرنسي “أن الاجتماع شكل فرصة لإقناع المشاركين (…) والأولويّة هي تقدُّم المفاوضات مع الصندوق في شكل سريع، والأسابيع المقبلة ستكون مهمّة لمواصلة النقاشات في الخطة والأمور المالية”.
• تأكيد دوكان أن نجاح “سيدر” يرتبط ليس فقط بالاتفاق مع صندوق النقد بل بـ«ضرورة التنسيق مع مجلس النواب للموافقة على المشاريع، ولكن ليس كلّ واحد على حدة، بل يجب أن تكون موافقة جماعيّة”. لقراءة المقال كاملاً إضغط هنا.
خشية من تضخم إصابات كورونا بعد عيد الفطر.. ومفتاحان بكلام دوكان
كتبت صحيفة “الراي” تحت عنوان ” … مَن “يقتاد” لبنان إلى “أحضان” كورونا؟”: “يَمْضي لبنان كـ”جريحٍ” يتخبّط… يصارع “كورونا” باستراتيجيةٍ تعتمد على مساكَنةٍ مثيرة للدهشة بين التشدد تحت سقف التعبئة العامة و”فتْح البلد”، ويواجهُ الانهيارَ المالي الذي يكاد أن “يصْرَعَهُ” بخطةِ تعافٍ أطلّ عبرها على الـIMF وما زالت المؤشراتُ تشي حتى الساعة بأنها على طريقة المسكّنات التي لن تمرّ على المجتمع الدولي الذي بات شعاره “اللي جرّب المجرّب”، ولا قرش أبيض قبل تبديد الصورة السوداء لوعودٍ إصلاحية بقيت حبراً على ورق التطاحن السياسي وحروبه الباردة والساخنة منذ باريس 1 (2001) إلى سيدر 1 (2018) وما بينهما.