الهجوم على الوزير
تباعًا، بدأت تصدر المواقف المنددة بقرار الوزير، واحدًا تلو الآخر، وبحججٍ مختلفة حول مصير الطلاب والأساتذة والشهادات ومستقبل المؤسسات التربوية ومستواها الأكاديمي. لكن كلّ هذه الحجج، بدت واهية، أو ربما ستارًا للسبب الرئيسي الكامن خلف معارضة قرار الوزير، وهو: إصرار المدارس الخاصة على تحصيل كامل أقساطها من الطلاب بأيّ ثمن.
لم يستوعب معظم أصحاب ومدراء المدارس الخاصة قرار الوزير بإنهاء العام الدراسي في آخر أيار 2020، وتعاطوا معه كما لو أنّه “انقلاب” على ما كانوا ينتظرونه منه، فأعطى بقراره سببًا إضافيًا للأهالي للامتناع عن تسديد أقساطهم المتبقية. أول المعترضين، كان اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، فاتّهم الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، الأب بطرس عازار، الوزيرَ أن قراره “سيعطي حجة للأهل بعدم دفع الأقساط وسيؤدي إلى إقفال المدارس”.
ورغم أنّ اتحادات ولجان الأهل، لم يطالبوا بالأصل أن يمتنعوا عن تسديد الأقساط، وإنما طالبوا بإعادة دراسة موازنات المدارس، وحسم مخصصاتها التشيغلية، بما يخفض الأقساط بنسبة 40 في المئة فقط، يبقى السؤال: كيف لمؤسسات تربوية راكمت الأرباح بالمليارات على مدار عقود تعجز عن الصمود أمام أزمة استثنائية وتهوّل بالإقفال؟!
حقوق المدارس
واعتبر “اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان”، في بيان له صدر الاثنين 18 أيار، أنه فوجئ بقرار الوزير، وأنه كان يمكن الذهاب إلى خيارات أخرى غير إنهاء العام الدراسي في هذا الشكل المفاجئ، “إذ لا يجوز التلاعب بمستقبل التربية والمؤسسات التربوية بحجة الوضع الصحي أو غيره، وترك هذه المؤسسات عرضة للقدح والذم من جهة، وللتراجع والانهيار من جهة ثانية”، ومما جاء في البيان: “ليس من العدالة تجاهل حقوق المدارس المتفق عليها في اجتماعات الوزارة والتركيز فقط على إعادة النظر بالأقساط ومطالبة المدارس بتقديم ملحق بالموازنة المدرسية، تبين فيه ما أمكنها توفيره من مصاريف تشغيلية، وهو ما يتعارض مع القانون 515.. وفي دراسة أولية لبعض المدارس أظهرت أن خفض المصاريف التشغيلية يمكن أن يؤدي فقط إلى خفض الأقساط بنسبة بسيطة جدا، علما أن كل مدارس الاتحاد على استعداد للقيام بواجبها الخلقي والتجاوب بتقديم تصور مبدئي عما يمكن توفيره من هذه المصاريف بسبب الإقفال القسري، وبالتالي عما يمكنها تقديمه من حسومات للأهالي، وهو ما تقوم به تلقائياً”.
بيان الاتحاد الذي لوّح بـ “خطر الإقفال”، ضرب أيضًا على وتر العجز في تأمين مستحقات الأسرة التعليمية. ومنذ صباح الثلثاء 19 أيار، سارع نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، إلى عقد مؤتمر صحافي شديد اللهجة أشار فيه إلى أنّ “بعض المؤسسات الخاصة تستغل الأزمات الصحية والاجتماعية وانشغال المسؤولين أو إغفالهم”، كما هدد بتحرك احتجاجي إذا لم تقدم الدولة حلًا شاملًا، وقال: “لن نساوم على مصير المعلمين. وقد أظهر إحصاء قدمناه لوزير التربية الحالة المزرية لاوضاع المدارس، فهناك 13 ألف معلم لم يقبضوا رواتبهم منذ أشهر عديدة”. واعتبر أنه “كان على وزارة التربية أن تجد حلًا شاملًا”. فـ”القصة انتهت بالنسبة إلى التلامذة والأهل، لكن لم تحل بالنسبة إلى المدارس والأساتذة، خصوصاً في ظل الحديث عن نزوح كبير من المدارس الخاصة إلى الرسمية أو ما بين المدارس الخاصة، وإن لم تلحظ الدولة حلاً شاملاً فسنقوم بتحرك احتجاجي”.
الاستنجاد بالرئيس
وفي سياقٍ متصل، وجهت الرئيسات العامات والرؤساء العامون للرهبانيات في لبنان كتاباً مفتوحًا تناشد فيه رئيس الجمهورية ميشال عون لانقاذها. ومما جاء فيه: “إن كتابنا الحالي هو إشعار نرسله إليكم من باب المسؤولية التربوية والوطنية، ومفاده أن أكثرية المدارس التابعة لرهبانياتنا (ما لا يقل عن 80 % منها) متجهة حكمًا نحو الإقفال القسري نتيجة الوضع الاقتصادي وإهمال الدولة لواجباتها، وبالتالي لن تفتح هذه المدارس ابتداء من بداية العام الدراسي 2020-2021. ينتج عن هذا الإقفال القسري حاجة مئات الآلاف من التلامذة لحجز مقعد دراسي في التعليم الرسمي بالإضافة إلى فقدان عشرات الآلاف من المعلمين والموظفين والعاملين لأعمالهم وازدياد البطالة والفقر في البلاد، وكل الموارد التي نمتلكها لا تكفي لتلافي الخطر”.
“مش دافعين إلا الحقّ”
تحت شعار “مش دافعين إلا الحق”، تأهب الأهالي واتحادات لجان الأهل وأولوياء الأمور لخوض المعركة التي أراد اتحاد المؤسسات التربوية فتحها، كما وجهوا سهامهم إلى نقيب المعلمين أيضًا. وذكروا عبود في فيديو مصوّر أنّ الاتفاق الموقع في وزارة التربية في 3 أيار الفائت، وبحضور ممثلي المدارس والأهل ونقيب المعلمين بشخصه، على “ضرورة تأمين رواتب المعلمين وأجور المستخدمين كاملة”.
وقد سُرّب اليوم محضر اجتماع الأطراف التربوية في 3 أيار، الذي وافق فيه الجميع على توزيع الأعباء والخسائر، مع اعطاء الأولوية لتأمين الرواتب والأجور كاملة، بناءً على طلب الوزارة بالحصول على ملحقٍ من الموازنة المدرسية بعد إعادة دراستها وفق الأصول المعتمدة.
وفي وقت لم يحسم فيه بعد السجال الدائر حول الأقساط، تفيد معلومات “المدن” أنّ عددًا كبيرًا من المدارس الخاصة الكبيرة والمعروفة بدأت ترسل عبر الإيميل نسخة عن القسط الثالث والأخير، وتطالب الأهل بتسديده تحت طائلة التهديد بطرد أبنائهم، وعدم حجز مقاعد لهم العام الدراسي المقبل.
وفي السياق، يشير منسق الشؤون القانونية في اتحاد لجان الأهل وأولوياء الأمور، المحامي شوكت حويللا لـ”المدن”، أنّ كلام نقيب المعلمين مغلوط، وأنّ الأهالي بشعارهم الذي رفعوه لا يريدون دفع سوى الأقساط المستحقة، متمهمًا المؤسسات التربوية ونقابة المعلمين بـ”طعن” الاتفاق الذي توصلوا إليه في 3 أيار على تحمّل الأعباء وتوزيعها. وقال: “الأهل هم المتضررون الأول في هذه الأزمة، ويريدون منا دفع أقساط كاملة بينما أبناؤنا يجلسون في المنازل منذ شهور، والأهل لن يقبلوا بعد اليوم أن يكونوا الحلقة الأضعف”.
أكد حويللا أنّ الأهالي على استعداد لدفع ما هو محقّ فقط، واعتبر أنّ قرار الوزير أغضب المدارس الخاصة، لأن الهدف من استئناف التدريس كان يقتصر على إلزام الأهل بتسديد الأقساط.
مثال فرنسي
وبينما عاد عداد فيروس “كورونا” ليرتفع من جديد في لبنان، جاءت الأخبار من فرنسا علّها تكون عبرةً للممتعضين من إنهاء العام الدراسي. إذ ذكرت الصحف الفرنسية أنّ عشرات المدارس في فرنسا اضطرت إلى الإغلاق بعد اكتشاف إصابة عشرات الطلاب بفيروس كورونا (كوفيد-19)، وذلك بعد أقل من أسبوع من إعادة فتح المدارس على خلفية إلغاء تدابير الحجر الأسبوع الماضي.
يخشى حويللا من سيناريو “تحريض الأساتذة على الأهالي من منطلق أن لقمة عيشهم تحت رحمة تسديد الأقساط”، ويؤكد أنّ “زمن استضعاف الأهالي قدّ ولّى”. وتابع: “نحن مهمتنا الاستمرارية في العملية التربوية، وأن نحدّ من الكارثة التي ستنتج عن نزوح أكثر من 100 ألف تلميذ نحو المدارس الرسمية. وهم قد وصفونا بالغوغائيين علمًا أننا لم نقل غير الحقّ، وسنعلن عن خطواتنا تباعًا، ولن نتنازل عن مطلب تخيفض ما لا يقل عن 40 في المئة من الأقساط”.