ثلاثة إيقاعات تنتظم عليها التطورات السياسية في لبنان.
جميعها ترتبط بشكل أو بآخر بالملف السوري.
الأول، البحث المفتوح في إعادة تطبيع العلاقات الرسمية مع سوريا.
والثاني، التحضير لعقد لقاء بين أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، ورئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، لترتيب العلاقات وتحديد الأولويات.
والثالث، استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وسط شروط دولية، لا سيما منها الأميركية، يفترض بلبنان الالتزام بها.
ونقطة الإرتكاز أو الوصل بين كل هذه الملفات، هي التطورات السورية.
لبنان وآل الأسد
في الكواليس السياسية، كلام كثير عن ضرورة تطبيع العلاقة مع سوريا. كان نصر الله وباسيل قد اندفعا إليه. وكان موقف الرئيس نبيه برّي واضحاً بشأنه.
وحسب ما تكشف المعطيات، فإن هذا الملف يمثل أولوية من أولويات النظام السوري.
ويحظى باهتمام مباشر من قبل بشار وماهر الأسد، اللذين لا يريدان أي تواصل مع لبنان بالشكل الذي كان قائم سابقاً، ويصرّان على بناء علاقات من دولة إلى دولة بشكل رسمي وعلني. ولذلك، بدأ نقاش من نوع التحضير لزيارة رسمية إلى سوريا من خلال وفد وزاري.
دفعت هذه المواقف الأميركيين إلى فتح عيونهم أكثر تجاه هذا التطور. والموضوع يشكل أولوية الأولويات بالنسبة إلى الأميركيين.
وهم يرفضون أي زيارة رسمية لبنانية إلى سوريا.. وإلا ستكون تبعاتها صعبة، مع اقتراب تنفيذ “قانون قيصر”، والذي لن يكون لبنان بعيداً من تبعاته وتداعياته.
لذلك، ترددت أسئلة أميركية كثيرة حول مضمون كلمة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، حول تحسين العلاقة مع سوريا.
فكان الجواب بأن برّي يتحدث ضمن سياق واسع التوجهات، ويتعلق بتحسين علاقات لبنان بكل الدول العربية ومن بينها سوريا. وتم توجيه الأميركيين بوجوب سؤال رئيس الحكومة حسان دياب عن موقفه، طالما أن هناك تنسيقاً معه.
المعابر وترسيم الحدود
ترددت بعض المعلومات عن حماسة حكومية حول ترتيب زيارة إلى سوريا، وإن لم يقم دياب بالزيارة بنفسه. فمن خلال تشكيل وفد وزاري رسمي، هنا ستبدو المعادلة الأميركية المعلنة واضحة، وستصب في السياق نفسه للحملة المفتوحة على التهريب عبر المعابر غير الشرعية.
بمعنى أنه طالما لبنان يخنق نفسه اقتصادياً ومالياً بفعل التهريب إلى سوريا، وتقديم الخدمات للنظام السوري، فإن اللغة الأميركية نفسها ستتكرر على الصعيد السياسي.
جزء من النقاشات بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله، ترتبط بهذا الملف، وأبعاد أخرى لا يمكن فصلها عنه، من مكافحة التهريب عبر المعابر، إلى البدء مجدداً بمفاوضات ترسيم الحدود، عبر الوساطة الأميركية، لتخفيف بعض الضغوط على لبنان. وليس بعيداً، تبقى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي هي الأساس المرتبط بالنقطتين السابقتين.
ولا بد من تقسيم الشروط الدولية إلى قسمين، شروط إصلاحية، وشروط سياسية.
في الشروط الإصلاحية والسياسية
الشروط الإصلاحية معروفة، ولا تتوانى السفيرة الأميركية في بيروت عن ذكرها وتحديدها. فالشرط الأول، هو إنجاز الإصلاح في خطة الكهرباء، والتي ينظر الأميركيون باستغراب حول احتمال تعطيل خطة الكهرباء بسبب مشروع سلعاتا. ما يعني عودة المفاوضات إلى نقطة الصفر، بحال لم يتم التوصل إلى اتفاق حول خطة الكهرباء.
الشرط الثاني والأهم، يتعلق بوقف التهريب بكل أشكاله عبر المعابر الحدودية.
والتأكد من إقفالها نهائياً.
وهذه مسألة ترتبط بحزب الله بشكل مباشر، والذي قد تكون تسويتها إقفال معابر التهريب هذه، مقابل الاحتفاظ بمعابره العسكرية الخاصة، على طريقة المناورات السياسية المعهودة.
الشرط الثالث، يهدف إلى تسريح آلاف الموظفين من مؤسسات الدولة.
وهم يشكلون العبء الأكبر عليها. والرابع، هو تحرير سعر صرف الليرة.
لا تنفصل هذه الشروط عن شروط سياسية، أولها ترسيم الحدود الجنوبية، وتقديم تنازلات من قبل حزب الله في مسألة الصواريخ الدقيقة.
يعني ذلك أن الأيام اللبنانية بالغة الصعوبة ستستمر. وهي ستتطور على إيقاع تطورات الملف السوري، الحافل بمتغيرات جذرية لن تنأى بنفسها عن لبنان.