وجاء هذا الموقف الصاعق ليطرح علامات استفهام حول خلفياته ومآلاته وهل يشكّل «تدشيناً» لمعركة تغيير النظام التي لطالما كانت القطبة غير المخفية في الشقّ اللبناني من مشروع «حزب الله» بامتداده الإقليمي أم أنه من ضمن عملية «ترسيم حدود» داخلية على تخوم طروحاتٍ سياسية – إدارية وتجاذبات حول ملفاتٍ دسمة (مثل الكهرباء ومعمل سلعاتا) استدرجت «حروباً صغيرة» بين مكوّنات حكومة الرئيس حسان دياب.
وفي حين رأت أوساطٌ واسعة الاطلاع أن هذا المناخ الذي سواء عبّر عن فوضى أولويات أو مهّد لـ«قلب الطاولة» يعكس في جانبٍ منه خطورة الواقع اللبناني الذي عوض أن يكون تركيز الأطراف الوازنة فيه على قفْل «باب الريح» المالي يجد نفسه مشدوداً إلى مخاوف من «فتْح باب جهنّم» سياسي، فإنها اعتبرت أنه يعبّر في جانب آخَر عن أن هذه الأطراف باتت تتعاطى مع نظام الطائف على أنه صار «جثّة» يستحضرون فوقها إما مشاريع – أحلام على حدود طائفية ضيّقة لها بعض المنابع في طروحاتٍ من زمن ما قبل الطائف وإما مشاريع بحجم «الطائفة القائدة» (المكوّن الشيعي) التي باتت تعتبر أن النظام صار أضيق من فائض قوّتها ومداها الإقليمي ومتوقفة في هذا الإطار عند نقطتين:
• الأولى تَزامُن «دقّ نفير» تغيير النظام من قبلان مع كلامٍ إما أحيا الصيغة الفيديرالية التي جرى تداوُلها في بيئات مسيحية إبان الحرب الأهلية، أو بدا بمثابة «نسخة مصغّرة» عنها في إطار محاكاة الأزمة المالية وسلّة الخيارات لمواجهتها.
وكان رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل جاهر الأحد الماضي، بالقول إن «مشكلة البلد الأكبر هي الطائفية التي تحمي الفساد، وضرورة معالجة أزمة النظام السياسي، لأن ما يمنعنا فعلاً من تحقيق ما نريد هو هذا النظام الذي يحتاج الى إجماع في كلّ شأن»، سائلاً «ألا يجب استغلال الفرصة الآن لتطوير هذا النظام انطلاقاً من الدستور ومن اتفاق الطائف، أولاً باعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة (…)».
• والثانية أن إشارة قبلان إلى السوق المشرقية التي كان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أوّل من تحدّث عنها، تجعل مشروعاً السؤال عما إذا كان مجمل اندفاعة المفتي الجعفري الممتاز على خطّ نعي نظام الطائف في سياقٍ تمهيدي لوضع هذا الملف على الطاولة أم في إطار محاولة فرْملة أي تدويل للواقع اللبناني من بوابة الأزمة المالية والمفاوضات مع صندوق النقد.
واستوقف الأوساط نفسها أنه بالتزامن مع «قنبلة» قبلان، كان مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان يطلق في خطبة عيد الفطر في جامع محمد الأمين، موقفاً تحت سقف الطائف، بقوله «إننا لا نقبل الإخلال بالدستور، ولا تهميش رئاسة الحكومة أو المسّ بصلاحيات رئيس الحكومة، ليس لأن في ذلك تجاهلاً لتراتبية المؤسسات الدستورية، وحقوق طائفة من مكوّنات لبنان الرئيسية فقط، بل لأن الإخلال بالدستور، يصنع أزمة سياسية، تقع في أصل الانهيار الكبير الذي يعانيه لبنان».
هل بدأ الرقص فوق جثة النظام السياسي؟
حضّ قبلان الحكومة على «فتْح خط رسمي مباشر مع دمشق بخصوص النازحين، والانفتاح الكامل على كل الدول، وخصوصاً أسواق الشرق، كطريق إنقاذ رئيسي»، محذراً من «أن صندوق النقد ليس مفصولاً عن السياسة، ولبنان بلد له وظيفته السياسية ومشروعه الوطني والأخلاقي، وأي لعب بالأولويات يعني كارثة، ولا نريد 17 مايو جديداً، ما يعني أن الإصلاح يبدأ من خيارات الدولة الداخلية الإنقاذية، ولا سيما باتجاه أسواق الشرق».