الخلاف الذي اشتد بين القوى السياسية على قانون العفو، ليس محلياً بشكل محض، على الرغم من أهميته الشعبوية لدى مختلف القوى السياسية.
وبالتالي، الكتل المسيحية لا تريد إقرار قانون عفو إلا على قاعدة 6 و6 مكرر.
للتيار الوطني الحرّ هاجس تطبيق أحد بنود “وثيقة التفاهم” مع حزب الله، و”القوات اللبنانية” لديها حساباتها أيضاً بالنسبة إلى هذا الملف، وملف مقاتلين سابقين في القوات يفترض أن يشملهم العفو. شمول قانون العفو إعادة اللبنانيين من إسرائيل، له ما يرتبط به إقليمياً دولياً.
وهناك من يقول إن الإصرار عليه له علاقة بتقديم صكوك براءة للإدارة الأميركية، وتعبير عن “حسن النوايا” التي ستكون مقدمات لتفعيل مفاوضات ترسيم الحدود.
عقوبات جديدة؟
في غمرة هذه الخلافات، تتزايد الضغوط المزدحمة على لبنان، وآخرها موقف مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شنكر، محذراً الحكومة اللبنانية وبعض القوى الداعمة لها من فرض عقوبات جديدة.
يقول شنكر إن حزب الله يشارك في الحكومة، وبعض القوى تشكل غطاءً ودعماً لحزب الله.
وهناك تطلع أميركي لفرض عقوبات قاسية على هذه القوى. المقصود بعبارة التطلع هو التلويح بفرض العقوبات، والغاية تحصيل المزيد من التنازلات.
يتزامن الضغط الأميركي مع ضغوط أخرى في موضوع عمل قوات اليونفيل، بعد إيصال حزب الله “رسائل” بمنسوب عنفي محدود، على طريقته، تعبّر عن معارضته توسيع مهام قوات الطوارئ الدولية، فيما موضوع التجديد لهذه القوات سيكون مطروحاً في الأيام المقبلة.
لم يجد رئيس الحكومة حسان دياب إلا طريق زيارة قيادة قوات الطوارئ في الجنوب لترتيب العلاقة، وإزالة الالتباسات، والتأكيد على أهمية استمرار عملها في لبنان.
بينما ملف العقوبات الذي لوح به شينكر مجدداً، فهو يهدف إلى إبقاء العهد والتيار الوطني الحرّ وجبران باسيل شخصياً في معرض ابتزاز أميركي، تماماً كما هي آلية باسيل في التعاطي مع كل القوى السياسية اللبنانية في ابتزازها.
وآخر ما يقوم به مع حزب الله هو ابتزازه في سلاحه وتوفير الغطاء والشرعية له مقابل تمرير معمل سلعاتا (!) وإبقائه وحيداً على الساحة المسيحية في معركة رئاسة الجمهورية مستقبلاً.
يبتز الأميركيون باسيل، ويقولون إنك ستبقى عرضة للعقوبات إذا لم تلتزم بما نريده.
هذا ما يدفع باسيل إلى اتخاذ مواقف متناقضة، يرضي الحزب في مكان، ويحاول إرضاء الأميركيين في مكان آخر.
قد لا يدرج باسيل على لائحة العقوبات الأميركية.
وهذه لعبة أصبحت واضحة وهدفها فقط الابتزاز. فعند التلويح بها يلجأ إلى تقديم أوراق اعتماد جديدة، كإطلاق سراح عامر الفاخوري.
أو قانون العفو الذي يجب أن يشمل اللبنانيين في إسرائيل.
وسيظل يعرقل باسيل هذا القانون ما لم يشمل العملاء.
معابر حزب الله
حزب الله في المقابل لن يتنازل عن مسألة المعابر في ضوء سيطرته على الحدود اللبنانية السورية وهذا ما سيُخضع لبنان إلى معادلة ابتزاز جديدة، تربط المعطيات السياسية بالمفاوضات التقنية مع صندوق النقد الدولي، لأن حزب الله لا يفصل ما يجري عن السياق السياسي، وسياق المعركة الكبرى مع الولايات المتحدة الأميركية، التي من الواضح أنها ستزيد ضغوطها أكثر فأكثر.
سيطرة حزب الله على المعابر غير قائمة على حسابات عسكرية وأمنية، بل تحولت إلى نظام اجتماعي اقتصادي معيشي بين لبنان وسوريا.
وبالتالي، أي عملية إنقلابية على هذا الواقع المكرس من قبل الحزب، ستؤدي به إلى مواجهة أزمات شعبية كثيرة في تلك المناطق، لأن أشخاصاً كثيرين يستفيدون من هذه المنظومة التي أصبحت قائمة خارج الدولة، كما هو الحال بالنسبة إلى الواقع السوري الذي يفترق إلى حدّ بعيد عن الدولة.
هذا سينتج الكثير من المتضررين الذين سينقلبون على الحزب، وسيقومون بتحركات احتجاجية، وهو أمر لا ينفصل عن قراءة حزب الله لمحاولة تعطيل قانون العفو العام، الذي يشمل أهالي البقاع، معتبراً أن عرقلة القانون يهدف إلى إدخال العشائر في مواجهة مع حزب الله.
فلتان الحدود هو حاجة سورية أيضاً. وهو يرتبط حتماً بمعالجة الملف السوري برمّته. ولذا، فإن ضبط الحدود اللبنانية يتداخل مع جملة عناصر وعوامل غير محلية. وهذه معادلة يكرس حزب الله الدفع باتجاهها والتأكيد عليها، خصوصاً أن الحزب يرى في هذه المساعي أهدافاً لخنق سوريا وإضعاف حزب الله. وردّ الحزب عليها يأتي سريعاً: لن أسلم رقبتي لهذه المقصلة.