تختنق بدمعة تفرّ من مقلتيها، ثم تضيف: “لطالما حلمت أن يوم عودتي إلى وطني آثيوبيا سيكون يوم السعد. سأوضب أمتعتي على مهل، وأحمل في حقيبة يدي ألعاباً لأطفالي وألواح شوكولا لذيذة لطالما حلمت بأن يتذوقوها. تخيّلت أن سعادة عارمة ستغمرني وأنا أغادر منزلاً ترقرق فيه عرقي كما دمعي. لكن ذلك كله لم يحدث. أغادر مكسورة بعدما خرجت من المنزل طرداً، ولم أحمل معي أي شيء من أغراضي الشخصية”. ربّة المنزل لم تُمهل صوفيا وقتاً لتوضيب أغراضها. كان الأمر مدبراً، إذ حاولت التخلص منها بأبشع الطرق لكي لا تُضطر إلى دفع مستحقاتها المتراكمة منذ ما يزيد عن ستة أشهر.
أدركت صوفيا حقيقة الأمر منذ بدأت العائلة تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة. تقول: “شعرت أن الوضع ليس على ما يُرام. شيئاً فشيئاً بدأت أفهم ما يحدث في لبنان، خصوصاً عندما أبلغوني أنهم لن يتمكنوا من دفع راتبي الشهري بالدولار الأميركي”. وتابعت: “لم أوافق فقالوا لي إن عليّ الانتظار ريثما يتغيّر أمرٌ ما. استشعرت بالخطر يتزايد إلى أن بدأت ربة المنزل تسيء معاملتي أكثر فأكثر. لم يتغيّر شيء حتى ذاك اليوم المشؤوم، حيث افتعلت السيّدة إشكالاً معي وبدأت بالصراخ في وجهي طالبة مني مغادرة المنزل”. تعود صوفيا إلى صمتها المبلل بالدمع، ربما تتذكر تلك اللحظات الأخيرة التي عاشتها في منزل خدمت أهله لقرابة الثلاثة أعوام. تضيف: “علمت في تلك اللحظة أن كل هذا يهدف للتخلص مني من دون دفع مستحقاتي. غادرت مكسورة وقصدت السفارة حيث أمكث الآن في المكان المخصص لاستضافة الرعايا الإثيوبيين بانتظار عودتي إلى دياري”. رغم حزنها الشديد، لم تعد صوفيا تكترث. جلّ ما تريده هو المغادرة والعودة إلى حضن الوطن والأهل والأطفال الذين غادرتهم إلى مصير لم يأت على قدر توقعاتها.