ماذا بقي من ورقة تفاهم مار مخايل… لغم المبعدين إلى إسرائيل؟ (2)

30 مايو 2020
ماذا بقي من ورقة تفاهم مار مخايل… لغم المبعدين إلى إسرائيل؟ (2)

وسط هذا الكمّ الهائل من المشاكل والأزمات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي تحاصر اللبنانيين من كل حدب وصوب، كنتيجة طبيعية لمسلسل السياسات الخاطئة التي أوصلتهم إلى حافة الإفلاس والجوع والعوَز، برز ملف قانون العفو العام، ومن بين مواده الأكثر حساسية تلك المتعلقة بعودة “المُبعدين اللبنانيين إلى إسرائيل”، بعد تحرير الجنوب في العام 2000، وبعدما أقر القانون رقم 194 لعام 2011 لمعالجة وضعهم، بناءً على اقتراح من النائب ميشال عون وقتذاك، لكن لم يُعمل على وضع مراسيم تطبيقية للقانون. وقد يكون لقضية هؤلاء بعد إنساني ما، لكنها من دون شك قضية شائكة تلامس حساسية مذهبية ووطنية، وتستنفر انقسامات في الآراء وخلافات في مقاربتها من قِبل الأطراف اللبنانيين، بين من يؤكد أنهم عملاء وبين مَن يعتبرهم فارين أو مُبعدين قسراً. 

 

إنّ قضية الذين غادروا جنوب لبنان إلى إسرائيل عام 2000 كانت على الدوام موضع اهتمام من قِبل الفرقاء اللبنانيين المسيحيين، خصوصاً أن نحو 90 في المئة منهم هم من مسيحيي الجنوب، وهؤلاء قد أمضوا نحو عشرين عاماً في كنف الكيان الصهيوني المحتل وفي رعاية مؤسّساته، وقد أصبحوا ضمن نسيجه الاجتماعي والاقتصادي.

هذه المعطيات تدفع إلى السؤال عن حقيقة فتح هذا الملف، خصوصاً أنّ “المُبعدين” لا يُمثّلون ثقلاً عددياً، فقد كان عددهم عام 2000 نحو 8 آلاف شخص، أما اليوم فلا يزيد عددهم على 3400 شخص بعدما هاجر معظمهم إلى دول غربية. وهؤلاء أوضاعهم ملتبسة بين أجيال المغادرين الأولى ممَّنْ لم يريدوا العودة إلى لبنان في المراحل الأولى لمغادرتهم، وبين أجيال نشأت في إسرائيل وقد ترغب بالعودة لأسباب مجهولة حتى الساعة. 

 

في خلاصة الأمر، إنّ فتح ملف عودة اللبنانيين الموجودين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في هذا التوقيت الحرج هو بمثابة وضع لغم جديد يُساهم في تأجيج وتفجير الوضع على الساحة الوطنية، خصوصاً أنّ هناك شريحة لبنانية واسعة ترفض عودة هؤلاء الذين يصفونهم بـ”العملاء” تحت أي تسمية وأي ذريعة كانت، وفي طليعتهم “حزب الله”. وفي المقابل، هناك مَنْ يطالب بحق هؤلاء بالعودة باعتبار أن هروبهم إلى إسرائيل جاء نتيجة أوضاع محدّدة عاشوها وتهديدات تلقوها في تلك الفترة، ومن بين هؤلاء “التيار الوطني الحر”، الذي سبق أن وقع ورقة تفاهم مع “حزب الله”، وقد جاء في أحد بنودها تحت مسمى “اللبنانيون في إسرائيل”.

وقبل التعليق على مضمون هذا البند لا بد من التوقف عند عنوان هذا البند، إذ تحاشى الطرفان تسمية اللبنانيين بـ”المبعدين” أو “العملاء”، وبالتالي تمّ تسمية إسرائيل بالإسم ولم يُقل “فلسطين المحتلة”، مما يدل إلى أن الطرفين وقتذاك كان همهما التوصل إلى تفاهم بينهما، ولم يتوقفا مطولًا عند بعض المفردات، التي عادت لتطفو على السطح من جديد.

ومما جاء في متن هذا البند: “انطلاقاً من قناعتنا بأن وجود أي لبناني على أرضه هو أفضل من رؤيته على أرض العدو فإن حل مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى إسرائيل تتطلّب عملاً حثيثاً من أجل عودتهم الى وطنهم آخذين بعين الاعتبار كل الظروف السياسية والأمنية والمعيشية المحيطة بالموضوع؛ لذلك نوجه نداء لهم بالعودة السريعة الى وطنهم استرشاداً بنداء سماحة السيد حسن نصر الله بعد الانسحاب “الإسرائيلي” من جنوب لبنان واستلهاماً بكلمة العماد عون في أول جلسة لمجلس النواب”.

إلا أن هذا المضمون لم يُترجم في الجلسة التشريعية في قصر الأونيسكو، حيث طار بند “العفو العام” بسبب حساسية المبعدين إلى إسرائيل، ومعه طارت الجلسة ولم يُقرّ قانون العفو العام، على رغم أهميته، إذ تباينت المواقف بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، إلى حدّ التنافر بين النائبين جبران باسيل ومحمد رعد.