كتبت صحيفة “الراي”: تشكّل “التحميةُ” التي شهدها الشارعُ اللبناني في الساعات الماضية مؤشراً إلى قرب دخول “الأرض” مجدداً عاملاً محورياً في المشهد السياسي الغارق في “حرب كمائن” بين أطراف السلطة ومع خصومها فوق فوهةِ البركان المالي الذي انفجر وبدأت حِمَمُهُ تلتهم آخِر مقوّمات صمود الغالبية الساحقة من اللبنانيين أمام “وحشِ” التضخم الذي يتغذّى من انهيار الليرة أمام الدولار والذي تزداد آثارُه الموجعة بفعل تَمَدُّد “جيوش” العاطلين عن العمل أو العاملين بنصف راتب أو أقلّ نتيجة تَحَوُّل الاقتصاد وقطاعاته “حطاماً” جاءت أزمة “كورونا” على طريقة دقّ المسمار الأخير في نعشه.
وإذا كانت التحركاتُ التي تم إحياؤها في اليومين الماضييْن أمام منازل عدد من السياسيين لم تخرج عن سياقٍ طبع الانتفاضة في جولتها الأولى، ومن ضمنه المشهدية القديمة – الجديدة التي أطلّت برأسها قرب مقر رئيس البرلمان نبيه بري في عين التينة حيث تعرّض حرس مجلس النواب لمجموعات من المعتصمين، فإن تطوريْن بارزيْن استوقفا أوساطاً سياسية في ما خص الحِراك المتجدد:
– الأول تَسَلُّح ناشطين في التظاهرة على تخوم مقرّ بري بصورٍ لزعيم “حركة أمل”، لم يتوانوا عن دوسها ثم حرْقها بعد تعرّضهم للاعتداء وتحطيم زجاج عدد من السيارات التي كانوا يستقلونها، وصولاً إلى معادلة “التظاهرة بتظاهرة مضادة” التي ارتسمت أمام مقر وزارة الداخلية (الصنائع) حيث تجمّع مناصرون لـ”أمل”، قبل ان تعمد القوى الأمنية لتشكيل “قوة فصْل” بين الطرفيْن تفادياً لأي احتكاكاتٍ عادت وحصلت لبعض الخط على خط الثوار – عناصر الأمن.
– والتطور الثاني التظاهرة غير المسبوقة أمام قصر العدل في بيروت تحت عنوان “لا للدويلة داخل الدولة ولا للسلاح غير الشرعي”، في إشارة إلى سلاحِ “حزب الله”، والذي تخللته دعوات باللافتات والتصريحات إلى الأمم المتحدة للعمل على تطبيق القرارات 1559 و1680 و1701.
واعتبر مُشارِكون في التحرك، أن تجربة الأشهر الماضية من الانتفاضة لم توصل إلى نتيجة “وعبثاً طلب الدعم الدولي للخروج من الأزمة المالية في ظل السلاح غير الشرعي”، واضعين التظاهرة في إطار “اننا نعطي شرعية شعبية لمطلب تطبيق القرار 1559 بالفصل السابع”، فإن هذا التطور الميداني وعلى محدودية حجمه حَمَل بُعداً مزدوجاً، أوّله أنه شكّل أوّل دخول علني تحت عنوان مباشر وصريح ولو لبعض المتظاهرين على ملف سلاح “حزب الله” من دون أن يُعرف إذا كان ذلك قد يتحوّل عامل جذْب لأطراف مُعارِضة للسلاح أم أن هذه الأطراف ستُبقي على مسافة منه مرتبطة بضوابط الواقع السياسي الداخلي.
والثاني أنه يطرح علامات استفهام حول إمكان أن يكون “فتيلاً” إشكالياً داخل صفوف المتظاهرين الذين لم يسبق أن قاربوا ملفات سياسية إلا من باب الفساد، أو ربما يجرّ إلى تحركات مضادّة من مناصرين لـ “حزب الله” نزل بعضهم أمس في المكان نفسه في مقابل مناهضي الحزب مؤكدين “المقاومة عزّة ودرع حماية للبنان من الاحتلال والإرهاب”.
وإذ ترافقتْ هذه التحركات مع استعداداتٍ لـ«عودة الروح» إلى ساحة الشهداء مع دعواتٍ لتظاهرة كبيرة فيها السبت المقبل تحت عنوان “إيد بإيد نسقط كل الفاسدين”، فإن اهتزاز الأرض مجدداً يأتي وسط انشداد الأنظار إلى 3 محاور متلازمة يُنذر كل منها بأن تهبّ منه “رياح ساخنة” على الوضع اللبناني وهي:
– دخول قانون “قيصر” الذي أقرّه الكونغرس الأميركي غداً، حيّز التنفيذ، وسط رصْد دقيق لما إذا كان سيحمل عقوبات على أشخاص وشركات وكيانات في لبنان على خلفية دعْمٍ للنظام السوري.
– استمرار المفاوضات الشائكة بين لبنان وصندوق النقد الدولي حول برنامج تمويلي حتى 2024 وفق الخطة التي وضعتْها حكومة الرئيس حسان دياب والتي تخضع لمعاينة دقيقة من الـ IMF الذي يشترط كما الدول المانحة في “سيدر”، إلى جانب تفاصيل تقنية حول الخسائر المالية وتوزيعها وسبل معالجتها، مساراتٍ تطبيقية للوعود الإصلاحية سواء في ما خص موضوع التهريب والتهرب الجمركي (المعابر الشرعية وغير الشرعية) او قطاع الكهرباء أو استقلالية القضاء أو الحوكمة وسيادة القانون وغيرها.