ويبدو ان الأيام القريبة ستنطوي على خطورة تصاعدية في المشهد الداخلي نظراً الى تزامن مجموعة عوامل واستحقاقات ضاغطة دفعة واحدة. فثمة اتجاه برز أمس الى انعقاد المجلس الأعلى للدفاع في نهاية الأسبوع لاقرار توصية لمجلس الوزراء بتمديد حال التعبئة العامة أربعة أسابيع بعد الثامن من حزيران، في حين تقرر المضي في المرحلة الرابعة من رحلات اجلاء المغتربين في الأيام المقبلة. وستتخذ التوصيات المتعلقة بتمديد التعبئة طابع التشدد حيال التجمعات ولو ضمن تدابير فتح البلاد بمعظم قطاعاتها، الامر الذي سيتقاطع مع اتجاه العديد من الجماعات المنخرطة في الانتفاضة الاحتجاجية الى جعل السبت المقبل يوم انطلاقة حاشدة جديدة للانتفاضة عبر التجمع في ساحات وسط بيروت.
تشنج.. ونظارة
وكشفت مصادر وزارية لـ”اللواء” ان جلسة أمس شهدت من خارج جدول الاعمال نقاشات في مواضيع عامة مطروحة، ولم تخلُ من تشنج، حيث لوحظ ان وزير الداخلية محمد فهمي خرح غاضباً وقد كسر نظارته من شدة الضغط عليها. فيما اثار الرئيس حسان دياب موضوع تحركات الشارع محذرا من اثارة الشغب والتحريض لاستغلال الدم بمواجهة الحكومة، وهو ما اعتُبر رسالة الى معارضي الحكومة والمحرضين عليها.
اما ابرز المواضيع التي اثيرت فهي ما طرحته احدى الوزيرات وتبعها بعض الوزراء، عن قرار إنشاء معمل سلعاتا للكهرباء، طالبين توضيح ما يُثار عن عودة الحكومة عن قرارها بتأجيل إنشاء المعمل والبدء بمعمل الزهراني، وقال الوزير ميشال نجار: نريد ان نعرف حقيقة الامر وما جرى التفاهم عليه خارج مجلس الوزراء؟ وهل هناك حاجة فعلا لإنشاء معمل سلعاتا؟
فرد الرئيس حسان دياب ان هذا الموضوع انتهى واقفل البحث به بناء لقرار مجلس الوزراء وخطة الحكومة.
كما أُثير انطلاقا من موضوع سلعاتا، موضوع عودة تدخل السياسيين بأعمال مجلس الوزراء وتقرير ما يجب ان يُتخذ من قرارات وإجراءات، ما ينفي ان هذه الحكومة حكومة تكنوقراط. وهنا طلب الرئيس دياب من الوزراء اعادة التموضع كوزراء تكنوقراط وعدم السماح للسياسيين بالتدخل في اعمالهم.
وجرى ايضا بحث في تحديد لائحة المواد الغذائية والاستهلاكية الاساسية التي سيجري دعمها، وبحث في كيفية التعامل مع سعر صرف الدولار بعد عودة نقابة الصرافين عن اضرابها واستئناف العمل اليوم، واعتبار الفترة الفاصلة عن بدء العمل بالمنصة الالكترونية للصرافين التي استحدثها المصرف المركزي بمثابة بروفة لتحديد ما يجب ان يحصل لاحقاً للسيطرة على ارتفاع سعر الدولار.
وتطرق البحث الى موضوع سد بسري حيث تم تكليف وزيري البيئة والطاقة فتح حوار مع المجتمع المدني والمختصين حول ضرورة واهمية إنشاء لسد.
ترحيل التعيينات
أما ملف التعيينات، فبدا واضحاً انه عاد الى نقطة الصفر في ظل عاملين مؤثرين لم يعد ممكناً الحكومة ولا العهد نفسه تجاهل تداعياتهما وهما :الصدى السلبي التصاعدي لملف تعطيل التشكيلات القضائية التي أقرها مجلس القضاء الأعلى والتي يتمسك بها ورئيسه سهيل عبود من جهة، والصعوبة الكبيرة لتجاهل إقرار مجلس النواب في جلسته الأخيرة قانون اعتماد آلية للتعيينات ولو كان “تكتل لبنان القوي” يعتزم الطعن فيه باعتبار ان المضي في تعيينات تماشي مصالح النافذين من غير أن يؤخذ في الاعتبار القانون المصوت عليه بأكثرية مجلس النواب سيرتب تداعيات سيئة للغاية على الحكم والحكومة. وقد سارع رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية جورج عدوان امس الى تحذير الحكومة من هذا الأمر، داعياً الى “رفع الذهنية المريضة يدها عن الدولة قبل ان تقضي عليها”، كما نبهها الى انها اذا تجاهلت القوانين وآلية التعيينات التي اقرت في مجلس النواب فهي تعرض نفسها لانتقادات ومساءلات وتكون أسقطت نفسها بإسقاطها هذا الباب الإصلاحي”.
ولوحظ ان جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس في قصر بعبدا لم يدرج فيه بند التعيينات. وأفادت معلومات ان رئيس الوزراء شدد في مستهل الجلسة أمس على “تضامن الحكومة ومنع التدخلات السياسية فيها ويجب ان تبقى قوتها بابتعادها عن الاصطفافات “.وتحدث عن “الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعطي خصوم الحكومة فرصة لتنظيم تحركات للتحريض على الحكومة ودفع أنصارها للنزول الى الشارع والاصطدام مع الناس واستهداف القوى الأمنية واستثمار كل نقطة دم للتحريض على الحكومة “.
وإذ حسمت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد إثر جلسة مجلس وزراء السراي أمس ترحيل التعيينات إلى الأسبوع المقبل، لم تستبعد المصادر أن يثمر الإصرار الرئاسي “إقرار بعض التعيينات الملحّة في جلسة مجلس وزراء بعبدا غداً”، مشيرةً إلى أنّ هذا الملف “أصبح يضع الحكومة أمام امتحان المحافظة على وحدتها وتضامنها، وسط تزايد القناعة الرئاسية بأن بعض الوزراء عاجزون عن تقديم إضافة في عملهم، لا سيما من هم على تماس مباشر مع الشأن الحياتي والمعيشي”، وكشفت في هذا السياق أن مرجعاً رئاسياً فاتح أحد هؤلاء الوزراء بالأمر قائلاً له: “يبدو مش قادر تقلّع”.
وعلمت “نداء الوطن” أنّ اتصالات بعيدة من الأضواء كانت قد نشطت خلال الساعات الأخيرة، بين المقار الرئاسية الثلاثة ومع بعض القيادات الحزبية والسياسية، في محاولة للتوصل إلى توافق معيّن قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء غداً في القصر الجمهوري، يحول دون تأجيل البت بعدد من التعيينات باعتبار أنّ هذا الموضوع سيساهم في إعادة شدشدة الوضع الحكومي بعدما صار في حال لا يُحسد عليه، نتيجة الخلافات التي اتسعت رقعتها بين مكونات الحكومة في ضوء المقاربات المتباعدة لسبل معالجة الملفات المطروحة. واليوم، حسبما أكد مصدر وزاري لـ”نداء الوطن”، فإنّ مشاركة رئيس الحكومة حسان دياب في الاجتماع الذي يترأسه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، لإبلاغ سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وممثل الأمين العام للأمم المتحدة موقف لبنان الرسمي من مسألة التمديد لقوات “اليونيفيل”، ستشكل مناسبةً لعقد “خلوة مطوّلة” بين عون ودياب على هامش الاجتماع، تسبقه وقد تُستكمل إثر انتهائه، للتباحث في ملف التعيينات والموقف المشترك من الآلية المعتمدة إزاء إقرارها، بالإضافة إلى الاتفاق على مسألة إصدار مرسوم بطلب فتح دورة استثنائية لمجلس النواب غداة انتهاء عقده العادي نهاية أيار.
أما في جديد المعطيات المتوافرة ضمن إطار حزم التعيينات الجاري إعدادها، فما تردد بالأمس من أسماء متداولة لتعيينها في عدد من المواقع الإدارية إنما يشي باعتماد معيار “المحاصصة الموصوفة” بين الأطراف السياسية، وقد أفيد على سبيل المثال بأنّ قائمة الأسماء المرشحة للتعيين في مجلسي إدارة شركتي الخلوي اكتملت وتوزعت على الشكل التالي: شربل قرداحي (مرشح جبران باسيل)، علي ياسين (مرشح نبيه بري) وحياة يوسف (مرشحة اللقاء التشاوري) لإدارة شركة “تاتش”. رفيق حداد (مرشح جبران باسيل)، ألين كرم (مقرّبة من التيار الوطني الحر) وعماد حامد (مرشح الحزب التقدمي الاشتراكي) لإدارة شركة ألفا.
اجتماع بعبدا
الى ذلك، يعقد اليوم في قصر بعبدا اجتماع يضم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن لابلاغهم موقف لبنان الرسمي من التمديد للقوات الدولية في الجنوب “اليونيفيل”. ويكتسب الاجتماع في الاطار السياسي تظهيرا لدور رئيس الجمهورية، كما ترى مصادر عليمة لـ”النهار”، على خلفية ان كل الخطوات الضرورية لتأمين التمديد للقوة الدولية العاملة في الجنوب قد قامت بها وزارة الخارجية، فيما زار رئيس الوزراء مقر قيادة القوة في الجنوب حيث أكد التزام لبنان القرار 1701. وهو ما سيؤكده رئيس الجمهورية بدوره والتنسيق مع “اليونيفيل”. فالاشكالية، وفق وجهة نظر لبنان، تتمثل في ان التقارير المختلفة التي تقدمها قيادة القوة الدولية لا تحيط بكل المعطيات وتظهر كما لو ان ثمة مسؤولية تلقى على عاتق لبنان في عدم امتلاك “اليونيفيل” حرية الحركة، في حين ان قيادة الجيش قدمت تقارير عن خلل في التنسيق تقع مسؤوليته على عاتق القوة الدولية. وهي النقطة التي تتصل بما حصل في برعشيت حيث تحركت القوة الدولية بمعزل عن الجيش أو من غير التواصل مع ضباط الارتباط بين الجانبين قبل الدخول الى البلدة. وعلم ان لبنان يتحصن في منطقه بالمادة 15 من قرار التمديد لـ”اليونيفيل” الذي اقر العام 2019 تحت الرقم 2485 والذي ينص على ضمان حرية الحركة للقوة الدولية من ضمن احترام السيادة اللبنانية، كما على واقع ان الحوادث التي تحصل في الجنوب تشكل 0,03 في المئة من مجمل العمليات المشتركة بين الجيش اللبناني والقوة الدولية التي تتم على اكمل وجه.