بددت وزيرة الإعلام، منال عبد الصمد، اليوم الجمعة، بعضاً من هواجس قطاع الإعلام في ثالث الحلقات التشاورية التي عقدتها مع ممثلي وسائل الإعلام لتدوين ملاحظاتهم ومطالبهم وإدراجها في مشروع قانون الإعلام الذي تشرف على إعداده.
فقد رفعت عبد الصمد لاءات ثلاث. أولها رفض كافة العقوبات الجزائية التي تطاول الصحافيين. وثانيها، رفض الرقابة المسبقة على المحتوى وعلى الترخيص. وثالثها، رفضها أن يكون الإعلام العام موجهاً أو يعاني التدخلات، في تأكيد لفكرة أن العدالة التي وفرتها التقنيات الحديثة للتحليق الاعلامي في الفضاء الالكتروني، يجب أن لا يتم تقويضها.
وبرفع هذه اللاءات، فتحت عبد الصمد باباً للنقاش حول الحاجات والتطلعات، بعد التعهّد بحماية الثوابت. فقد بدا النقاش مع ممثلي الإعلام الإلكتروني، الذي اختتمت به الحلقات الثلاث، فاتحة لنقاش جدي يتطلع فيه الصحافيون لكفّ يد السلطة عن مساعي الاقتصاص منهم عبر القضاء او عبر الاستدعاءات الى الضابطة العدلية، ولتغيير الذهنية السائدة عن وصف مخالفات الصحافيين بأنها “جرائم مطبوعات”، ولوضع حدّ لمحاولات تقويض انتشار الإعلام الإلكتروني عبر المطالب بالتراخيص المسبقة، وسط إجماع على وجوب التفريق بين الإعلام الإلكتروني والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل.
تدرك الوزيرة عبد الصمد بعض هذه الهواجس، وافتتحت النقاش بالإشارة الى “أننا نحاول أن نعالج الثغرات لإيجاد نقاط التلاقي”. فقد جمعت ملفاً وافياً عن الهواجس والحاجات والمعاناة، كما استندت الى موقعها السياسي لتبني تصوراتها عن مشهد الانقسام، والذي عالجته في البداية بالتطمين، قائلة: “نحن نعمل في هذا اللقاء على جمع الأفكار والآراء التي يمكننا في ضوئها رسم قانون وخطة للإعلام العام والخاص ودورهما”.
والواضح أن تراكم العثرات التي حالت دون إقرار قانون للإعلام في السنوات العشر السابقة، رغم الاقتراحات والنص المبدئي الذي وضعه النائب السابق غسان مخيبر (وهو على أي حال ركيزة حقوقية لأي تعديلات أخرى)، تحاول عبد الصمد تخطيه بتخطي الانقسامات.
بمجرد التشاور، انطلاقاً من قاعدة “اننا شركاء ولسنا في اطار مواجهة”، تطوّق لاءات يمكن أن تعرقل طريق اقرار المشروع. وبه، إذاك، تكون قد حققت إنجازاً، على الأقل من جهتها وجهة حكومتها، وترميه في ملعب البرلمان الذي لن يتطلع الى الحسابات الحقوقية فحسب، بل سينظر الى القانون من منظار “مصلحة الدولة” أيضاً، وهو الصراع المتراكم والمستمرّ في الإدارة، بين مصلحة الدولة وتوقها للقبض على الأجسام المستقلة، وبين مبدأ تأكيد الحريات. ويقع قانون الإعلام في جوهر هذا الصراع الذي ستدخل عليه عوامل سياسية وفئوية وحزبية وطائفية، سيجعل إقراره بالسرعة التي تتصورها وزيرة الإعلام، مهمة معقّدة.
في الجلسة، ثمة ما يطمئن، وثمة ما لم ترد إجابات شافية حوله. فـ”مدونة السلوك” التي تردد الحديث عنها في التصريحات السابقة، لم يتم إيضاح فحواها. كذلك المخاوف من منح الصلاحية القضائية الموجودة لدى محكمة المطبوعات الى جهة نقابية، بمعنى تحويل نقابة المحررين الى محكمة نقابية. علماً أن ما ورد في النقاشات، يلتقي على ضرورة “إعادة صياغة النقابات” وتطويرها، وحماية الملكية الفكرية، وحماية الصحافيين، وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون حق الوصول الى المعلومات، فضلاً عن ورود مقترحات برفد قضاة محكمة المطبوعات بهيئة استشارية، الى جانب مراعاة الخصوصية اللبنانية في مبدأ الأخلاقيات الإعلامية.
ودعت عبد الصمد الى “التركيز على نقاط البحث الأساسية وهي أي اعلام نريد ولأي مواطن وأي قانون نريد؟ وما هو دور المواقع الإلكترونية وكيف يمكن النهوض بهذا القطاع؟”، مؤكدة إن “التحدي اليوم هو التوجه الى الإعلام الرقمي”.
وأشارت الى خطة تحول وزارة الإعلام، فقالت: “لن يبقى إعلام عام موجه يعكس الموقف الحكومي، بل نريده إعلاماً حراً يعبر عن الرأي الآخر بكل موضوعية وشفافية ومن دون أي تدخلات، ويكون دوره تشاركياً لنقل الخبر الصحيح والتعاون من دون أي قيود، مع إلغاء كافة العقوبات الجزائية التي تطاول الصحافيين. ونعتبر هذا التوجه هو تحول الى نوع من القانون المدني، فالصحافي ليس مجرماً ولا يجب أن تقيد حريته في لبنان الذي يتميز بالحرية”.
ودعا المدير العام لوزارة الإعلام، حسان فلحة، إلى “التخفيف من غلواء القوانين وإيجاد تشريعات مرنة تتلاءم مع التطور التقني”.
وقدم المشاركون مداخلات عن المشاكل التي يعانونها، وعرضوا اقتراحاتهم ومنها: “تنظيم العمل الإعلامي الإلكتروني من ضمن المجموعة الإعلامية والفصل بينها وبين مواقع التواصل الإجتماعي ووضع شروط تحفظ وتحمي حقوق الملكية الفكرية وتطبق معايير الأخلاقيات الإعلامية”.
وشددت الإقتراحات على “الحاجة الى نقاش جدي حول أي حرية تعبير وحرية إعلام نريد في لبنان”، داعية الى “عقد ورشة نقاش مع الجسم القضائي والسياسي لتوسيع مفهوم هذه الحرية”. كما دعت الى “استقلالية القضاء وتحريره ومنع استدعاء الصحافيين تحت ما يسمى جرائم الكترونية وتطبيق قانون حق الوصول الى المعلومات”.
Source
المدن