ينزل اليوم المواطنون من كل الأعمار، صغارًا وكبارًا، ومن كل المناطق لأن نار الغلاء كوت الجميع من دون إستثناء. فربطة الخبز واحدة في الشمال والجنوب والبقاع والجبل والعاصمة. لا أحد مستثنى من جشع التجار المحمّين. ولا أحد إلاّ ويئن لعدم توافر ما يكفيه لإطعام عائلته. الجميع مهدّدون بأن يصبحوا عاطلين عن العمل. وتتحدث الإحصائيات أن 70 في المئة من الشعب اللبناني بات عاطلًا عن العمل. هذا يعني بلغة الأرقام أن هذه الأكثرية المسحوقة قد أصبحت تحت خط الفقر. والآتي أعظم.
ينزل اللبنانيون اليوم إلى ساحة الشهداء لرفع الصوت في وجه سلطة لا ترى في الأزمة المعيشية الخانقة سوى حملة سياسية من بعض الجهات، التي تحاول إظهار فشل العهد، ومعه حكومته. ولن نتفاجأ إذا سمعنا اليوم أصواتًا تتهم المتظاهرين بأنهم ينفذّون أنجدة خارجية وأنهم تابعون لهذه السفارة أو تلك، وهذا ما سمعناه بالأمس القريب عندما هدّد المتظاهرون بسقوط عروش من يعتقدون أنهم باقون في مواقعهم إلى ما لا نهاية.
ينزل اللبنانيون اليوم إلى الساحات متضامنين حول مطالب حياتية وحول حتمية سقوط هذه الحكومة المزيفة، التي يعتبرون أنها صورة مصغرّة عن الفساد السياسي، الذي أتى بها على رغم أنف الشارع المنتفض، فكانت عنوانًا من عناوين غشّ السلطة لشعبها الثائر في وجهها.
ينزل اللبنانيون اليوم، على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، بشعارات وعناوين متعددة، ولكن هدفها واحد في النتيجة، وإن كانت هذه الشعارات مختلفة في الظاهر، كالمطالبة بإنتخابات نيابية مبكرة وإعادة تكوين السلطة السياسية، وكذلك المطالبة بإسقاط السلاح غير الشرعي، لأن أصحاب هذه المطالبة يرون أن هذا السلاح هو آفة الآفات، ومنها تتفرع المشاكل الأخرى التي يعاني منها البلد.
في المقابل نرى أن السلطة بكل مكوناتها منزعجة من تحرك اليوم، وتضعه في خانة التهويل عليها وإظهارها بأنها عاجزة وغير قادرة على تأمين الحلول للمشاكل الكثيرة التي يعيشها المواطنون، وقد تكون المطالب الحياتية في سلم الأولويات، التي يمكن أن تصيب هذه السلطة في المكان القاتل، وهي لهذه الغاية سارعت إلى وضع شروط لهذه التظاهرة، مع حشد أعداد كبيرة من القوى الأمنية لفرض هذه الشروط، مع تسجيل إمكانية دخول “طابور خامس” على الخط لإخراج التظاهرة عن أهدافها السلمية ولتبرير التعامل معها بقسوة تمامًا كما كان يحصل في السابق عندما كانت تُحرف التظاهرات عن أهدافها الحقيقية.
في المقابل فإن المطالبة بنزع السلاح غير الشرعي يقابله شارع آخر يعتبر أن هدف هذه المطالبة إضعاف المقاومة أمام عدو يتربص بنا شرًّا في كل لحظة وعند مفترق كل طريق، حتى أن هذا الشارع، على رغم ما يُقال بأن “حزب الله” قادر على ضبطه، سيرى نفسه مضطرًّا إلى التدخل عند الحاجة، إلى درجة أن يقال أن من يطالب بنزع سلاح المقاومة ستقطع يده، وهذا الأمر يدلّ إلى المأزق الواصلين إليه، والذي يصب في النهاية في مصلحة السلطة، التي ستحاول اللعب على وتر التناقضات، وهي ستتدخل عند الضرورة لحماية السلم الأهلي وللحؤول دون سفك الدماء.
ساعات ستكون حاسمة. وكلمة الفصل ستكون حتمًا للحكمة ولقطع الطريق على المندسين. إنه التحدي الكبير في يوم السبت الكبير.