تقارب في الارقام يبشر برؤية موحدة امام صندوق النقد… الأزمات المالية تتوالى واصرار على زيادة سعر المازوت

8 يونيو 2020
تقارب في الارقام يبشر برؤية موحدة امام صندوق النقد… الأزمات المالية تتوالى واصرار على زيادة سعر المازوت

تمكنت البلاد من تجاوز قطوع “الفتنة” المذهبية بأقل خسائر ممكنة، بفضل الجيش والقوى الأمنية اللذين عملا على تطويق الاشكالات التي اندلعت على اثر التظاهرات في وسط بيروت. وبعيداً عن كل التحليلات حول من دسّ المفتنين ومن سعى الى شرذمة حراك يوم السبت تحت عناوين كثيرة، الاّ أن الحياة السياسية اليوم ستعود الى طبيعتها، وتعاود نشاطها بعد عطلة نهاية أسبوع متوترة على أكثر من جبهة.

ولا شكّ أن الموضوع المالي والاقتصادي سيكون اليوم على سلّم أولويات الحكومة والطبقة الحاكمة، خصوصاً في ضوء الاجتماع الاقتصادي والمالي الذي يعقد في القصر الجمهوري في بعبدا بدعوة من الرئيس ميشال عون والذي من المتوقع ان يوضع على طاولته تقرير نهائي وموحد بأرقام وخسائر الدولة ليعرض لاحقاً في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. و علمت “نداء الوطن” أنّ مجريات الأحداث الميدانية في عطلة نهاية الأسبوع لم تسفر عن “فرملة” حركة الاتصالات الجارية على هذا الخط لا بل استكملت في شكل متواصل بين الحكومة ومصرف لبنان وجمعية المصارف ولجنة المال والموازنة النيابية.

المفاوضات مع الصندوق
اذاً، من المتوقع ان يعقد قبل ظهر اليوم الاثنين اجتماع في وزارة المال يحضره الوزير غازي وزني وفريقه إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وحاكم المصرف المركزي رياض سلامه مع فريق المصرف وجمعية المصارف ،في  محاولة للتوصل الى رؤية متقاربة أو موحدة في موضوع الارقام والخسائر المالية والدين العام وسبل معالجة الازمة المالية التي يواجهها لبنان حاليا وذلك لاستكمال المفاوضات مع الصندوق على اساسها، لا سيما وان الاختلافات بين الجهات الثلاث أثرت سلبا على وتيرة هذه المفاوضات.

ويأتي الاجتماع المذكور بناء على نصيحة العديد من المسؤولين الكبار للتفاوض على اساس موقف لبناني موحد لتقوية وضعية لبنان بالمفاوضات وتسريع التوصل إلى النتائج الايجابية التي تساعد في حل الازمة، الا ان التوقعات من نتائج الاجتماع الموسع تبدو حذرة جدا بالتوصل الى تفاهم مشترك بسبب اتساع الهوة بين مضامين خطة الحكومة من كل مكوناتها بالمقارنة مع رؤية المصرف المركزي ومقاربته لحل الازمة مع المصارف ،ما يجعل التوصل الى موقف موحد صعبا.

من جهة ثانية تعقد عند الساعة الرابعة والنصف عصر اليوم جلسة مفاوضات مع صندوق النقد على مستوى الخبراء والمستشارين لتقييم مسار الجلسات السابقة ولطرح مزيد من الأسئلة والاستفسارات حول العديد من مكونات الخطة في حين ينتظر ان تعقد عصر غد الثلاثاء جلسة موسعة للمفاوضات مع الصندوق بحضور وزير المال وحاكم المصرف المركزي وجمعية المصارف ويتوقع أن تتبلور من خلالها مسار الجلسات المقبلة.

وينعقد بعد ظهر اليوم الاجتماع المالي  في قصر بعبدا استكمالا للاجتماع الذي انعقد الخميس برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الحكومة ووزير المال وحاكم مصرف لبنان .

وافيد انه يفترض ان يصار الى بت هذا الموضوع اي توحيد رقم الخسائر الذي يعرض على الصندوق.

وبموازة ذلك فان النائب ابراهيم كنعان ونواب  لجنة المال الموازنة عقدوا اجتماعات مع حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف وبدا لافتا ما قاله النائب نقولا نحاس بإنه تم الوصول الى الرقم 84 الف مليار بدل من 220 الف مليار  التي اشار اليها الصندوق لمجموع الخسائر لمصرف لبنان والمصارف والدولة . وهذا فرق كبير في الأرقام. ولذلك المطلوب توحيد الأرقام من اجل تقديمها امام الصندوق. 

تقارب في الأرقام 
ووفق المعلومات، فإن اقتراحات بدأت تسلك طريقها تتعلق بسندات الخزينة بالعملة اللبنانية والتي كانت خاضعة بحسب الخطة لاقتطاع بنسبة 75%، أي ما يقدر بـ 60 الف مليار ليرة من الودائع بحسب خطة الحكومة وهو ما كان سيشكل عبئاً كبيراً” على المصارف والمودعين. وفي هذا السياق كشفت مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” أنّ هناك تصوراً يتم العمل على إنضاجه خلال الساعات المقبلة من شأنه أن يخفف من الأعباء، لا سيما وأن المصادر أشارت إلى وجود أرقام وجوانب في الخطة المالية لا علاقة لها بمصرف لبنان، إنما بالودائع والمودعين وهي تشمل تقدير التسليفات المتعثرة والتي قد تتعثر من جراء الوضع الراهن.

أما على صعيد مصرف لبنان، وبعدما أقر صندوق النقد بمبلغ إعادة تقييم الذهب البالغ حوالى 47 ألف مليار ليرة، في ميزانية 15 نيسان 2020 على سعر 3500 ليرة، وإقرار الصندوق كذلك بمبلغ 9 آلاف مليار العائد إلى ما يُعرف بـ”unused seigniorage” ، يستكمل المصرف المركزي التفاوض مع صندوق النقد حول 15 ألف مليار للـ “seigniorage” أي تمويل السياسات النقدية التي طبّقها المصرف والقائمة على تأجيل الأكلاف لإطفائها لاحقاً من إيرادات مستقبلية وهو ما يطلق عليه مصطلح: “carry forward”.

وتوازياً، يستمر التفاوض على مسألة القيمة الصافية للموجودات بالعملات الأجنبية التي تصبح إيجابية إذا ما اعتمدت قاعدة “Fair Valuation” أي التقييم العادل للمطلوبات والموجودات بالعملات الأجنبية. وهو ما يطالب به مصرف لبنان ويرفضه صندوق النقد. وبناءً عليه، تؤكد المصادر أنّ “المحادثات والنقاشات والاتصالات مستمرة ساعة بساعة وكل كلام عن أن الموضوع انتهى إنما ينم عن جهل أو تسريبات بنية سيئة”.

وكانت النقاشات في لجنة تقصي الحقائق النيابية، بحسب المعلومات المتوافرة، أفضت في الأيام الماضية إلى التوصل لجملة نقاط وهي: تقدير تعثر تسليفات المصارف بـ 14 الف مليار بدلاً من 42 الف مليار، التوصل الى الجمع بين مقاربة الخطة المستمدة من شروط صندوق النقد والقائمة على اعتبار كل الاستحقاقات بآجالها كافة بمثابة خسائر وتصفيتها اليوم، مع المقاربة التي تعترف بالتقييم الشامل للخسائر مع معالجة تدريجية، فضلاً عن استثناء المودعين من عملية إعادة توزيع الخسائر وحصر هذه العملية بشكل عادل بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف.

الأزمات المالية تتوالى
في هذا الوقت، استمرت آثار الأزمة المالية – الاقتصادية – النقدية التي يعاني منها لبنان بالظهور من مواقع مختلفة. وآخر ما ظهر في هذا المجال هو اتخاذ مصارف أجنبية قرارات بوقف التعامل مع لبنان، لجهة تحويل الأموال منه وإليه. أبرز هذه المصارف هو مصرف “HandelsBanken” السويدي، الذي يعمل في خمس أسواق أيضاً خارج السوريد، وهي: الدانمارك، فنلندا، هولندا، النرويج، بريطانيا. المصرف السويدي، وهو شريك للعديد من الشركات الكُبرى والمؤسسات المالية، أصدر أخيراً لائحة تضمّ البلدان المسموح لها القيام بعمليات الدفع عبر الحدود، أكان إرسال أو استقبال الأموال، وقد شُطب اسم لبنان منها. وسيبدأ تنفيذ هذه اللائحة مطلع تموز المقبل. خطوة “HandelsBanken” ليست يتيمة، بل تندرج في سياق السياسة الجديدة التي يعتمدها عددٌ من المصارف في كل من الدانمارك والنرويج والسويد وفنلندا وآيسلندا، والهادفة إلى منع التحويلات المصرفية من لبنان وإليه. لماذا؟ تقول مصادر مصرفية إنّ “هذه المصارف تتحجج بتطبيق قانون مكافحة تبييض الأموال”. ولا تستبعد المصادر أن “تمتد هذه الإجراءات لتشمل دولاً أوروبية عدّة، نتيجة الأزمات المتلاحقة التي يُعاني منها القطاع المصرفي اللبناني”، بحسب صحيفة “الأخبار”.

بالإضافة إلى ذلك، تستمر مصارف المراسلة الأجنبية (أي المصارف التي تعمل كضامن لتسديد مبلغ إلى مُصدّر ما، بالاتفاق مع المصارف اللبنانية التي تعمل كضامن لتسديد المبلغ من قبل المستورِد) في تضييق الخناق على التعاملات مع المصارف اللبنانية. فبعد مرحلة أنّ المبالغ المودعة لدى المصارف المراسلة الأجنبية لم تعد كافية لتسديد التزامات المصارف المحلية، بدأت مصارف المراسلة “تشديد العمليات وتأخير اتمامها، بعد أن كانت بحاجة في السابق إلى أيّام قليلة”. أما الأمر الآخر، فهو أنّ بعض مصارف المراسلة باتت تمنع عملية الـ”Nesting”، أي العمليات التي تقوم بها مصارف لبنانية، عبر مصارف مراسلة عالمية، لحساب مصارف لبنانية أخرى لا تربطها اتفاقات المصارف التي تربطها علاقة بمصرف مراسلة، تُجري العمليات الخارجية لصالح مصرف محلي آخر لا يملك عقدا مع مصرف مراسلة.

الـ5000 ليرة عائدة
في هذا الوقت، يُخشى من احتمال عودة رئيس الجمهورية إلى طرح مسألة زيادة الخمسة آلاف ليرة على صفيحة المازوت، خاصة أن النقاش في الأمر لم ينته في الجلسة الماضية، بحسب “الأخبار”، في حين أكدت معلومات “نداء الوطن” أن طرح مسألة زيادة خمسة آلاف ليرة على المازوت لا يزال على جدول أعمال الحكومة على الرغم من الاعتراضات الكبيرة عليه.

الاقتراح يجري التسويق له تحت عنوانَي مكافحة التهريب إلى سوريا واستخدام الاموال لتقديم الدعم للأسر المتضررة من الأزمة المالية وأزمة كورونا. لكن دعم هؤلاء عبر تحميل كل الناس المسؤولية أمر مختلف. أضف إلى ذلك أن فرض رسم كهذا يفترض أن يسبقه إجراء دراسة لآثار وأضرار هكذا ضريبة على قطاعات عديدة. هذه الزيادة التي تعد 30 في المئة من السعر الحالي، ستسمح بزيادة فاتورة المولّدات الكهربائية الخاصة، كما ستؤدي إلى زيادة الأعباء على الأسر التي تستخدم المازوت للتدفئة، كما على العديد من الصناعات، فيما تشهد البلاد مساعي (كلامية على الأقل) لتعزيز الانتاج المحلي. وكل ذلك سيكون له تأثير كبير على الناس، الذين يدفعون، في الاساس أكثر من نصف سعر صفيحة البنزين ضرائب ورسوماً.

طرحت هذه الإشكاليات في الجلسة الأخيرة، لكن نقطتين استرعتا الانتباه، وأدتا إلى اعتراض وزراء ٨ آذار. الملاحظة الأساسية أتت على لسان وزير المالية، التي ذكّر بأن القانون لا يجيز تخصيص إيراد لنفقة محددة، بل إن أي رسم أو ضريبة يفترض أن يدخل إلى الخزينة. النقاش طال أيضاً كيفية قوننة هذا الرسم. فئة من الوزراء اعتبرت أن استحداث رسوم إضافية يحتاج إلى قانون يقره مجلس النواب، فيما أوضح آخرون أن الحكومة قادرة على إقرارها، من خلال الصلاحيات التشريعية المعطاة لها في القضايا الجمركية.