ففي مشهد 6 حزيران إعلان ميداني لسقوط “الحجر السياسي” الذي سعت الحكومة ورعاتها الى فرضه تحت جنح جائحة الكورونا. استكمال عملية ازالة الخيم بقرار من وزارة الداخلية، بعد حرق بعضها في ساحة الشهداء وفي ساحة رياض الصلح، كان مؤشراً على استعجال الحكومة استثمار اجراءات مواجهة الجائحة، لانهاء مشهد ساحات الحراك الشعبي تماماً، بعدما كانت نجحت قبل ذلك، أحزاب السلطة وعسسها في انهاء بعض الساحات التي ترمز الى “انتفاضة تشرين”، من جل الديب الى النبطية وغيرهما ومحاولات فشلت نسبياً، في مناطق أخرى في صور وكفررمان وغيرهما.
نزل آلاف اللبنانيين الى ساحة الشهداء ليكسروا نهائياً الحجر السياسي، وليسقطوا كل القرارات التي تريد ابقاءهم في بيوتهم، بعيدين عن الشارع وساحات التغيير، والغاية التي دفعتهم الى الشارع هي التأكيد ان الشعب لا يمكن ان يهدأ، طالما ان شيئاً لم يتغير في سلوك السلطة، المحاصصة على حالها والفساد ايضاً، ما من مرتكب جرت محاكمته، ولا سياسات حكومية تخفف من وقع الأزمة الطاعنة في حياة اللبنانيين الى حدّ الانهيار الكامل لنظام عيشهم.
حجم التحريض على دعوات النزول الى وسط بيروت في 6 حزيران، لم يكن عفوياً، ولا يعبّر عنه الصاق تهمة انه تجمع للمطالبة بتنفيذ القرار الدولي رقم 1559، رغم ان البعض من مجموعات الحراك المحدودة يتبنى هذه الدعوة ولم يتوقف عن المطالبة بتنفيذه، وهذا ليس مطلباً مستجداً وهو لا يخلّ بالأهداف الثابتة التي لا تزال تجمع كامل طيف “انتفاضة تشرين”، وهو اسقاط الحكومة وتشكيل حكومة مستقلين والتمهيد لانتخابات نيابية مبكرة وتحرير القضاء واستقلاليته.
لم تكن التجمعات الحزبية للثنائي الشيعي على تخوم ساحة الشهداء عفوية، بل شديدة التنظيم، ثمة من يدير ويوجّه. وكان انتشار العناصر الحزبية المنظم لنقل الوقائع الى غرفة العمليات التي تدير هذه المجموعات، واضحاً لمن يتابع المشهد الميداني، على طول الطرق المؤدية الى وسط بيروت، خصوصاً عند تقاطع بشارة الخوري نزولاً الى وسط العاصمة.
لم يجد شعار “شيعة شيعة شيعة” الذي ينطلق من حناجر الذين تجمعوا عند تخوم جسر الرينغ، من يعترض عليه من منظمي هذه المجموعات وموجهيها، وهم كانوا قادرين على ضبطهم، طالما أن هذه المجموعات كانت تستجيب لتوجيهاتها بالتجمع، وفي التقدم وفي التراجع، وفي استدعاء الدعم وصولاً الى ارسال مجموعات للنزول الى ساحة الشهداء كما حصل امس من دون ان يحصل اي صدام.
لقد تهاوت فكرة ان الجموع في وسط بيروت هي جموع مطالبة بتنفيذ القرار 1559، من حضر شخصياً لا يلحظ وجود ما يوحي بذلك، ولكن في الحد الادنى كان من الصعب ايجاد شعارات تطال هذا القرار، بل كان من اليسير رؤية المطالبة باسقاط حكومة حسان دياب، والمطالبة باستعادة المال المنهوب، والدعوة الى محاكمة الفاسدين، فيما الأعلام اللبنانية كانت وحدها ترفرف مرفوعة فوق هامات الجموع المحتشدة.
فشلت عملية وضع الحراك في زاوية القرار 1559، فانتقل المحرضون على التجمع الى مكان آخر، الى عين الرمانة في محاولة مكشوفة لخلق توتر طائفي والى كورنيش المزرعة لاستجرار توتر مذهبي، والغاية هي تخريب المشهد الذي شكل امتداداً لمشاهد انتفاضة تشرين.
“شيطنة” الحراك مستمرة وستستمر، من خلال محاولات استعادة ما طوته “انتفاضة تشرين”، عندما رمى اللبنانيون خلف ظهورهم لعبة السلطة الطائفية، وقرروا النزول الى الشارع كمواطنين لبنانيين متحدين في مواجهة سلطة النهب والمصادرة، لذا كانت محاولات استحضار خطوط التماس المذهبية والطائفية، هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق امرين:
اولاً، القضاء على الانتفاضة التي وحدت اللبنانيين، تلك التي ادرجها امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله في الخانة الاسرائيلية قبل اسابيع، من دون ان يطاول في اتهامه ايّاً ممن كان يدرجهم في السابق في خانة المتآمرين لا سيما (سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع) بل حصر التهمة بمجموعات الحراك.
ثانياً، حماية حكومة حسان دياب التي سيعني سقوطها فقدان “حزب الله” أداة سياسية هو من صنعها ويحميها ولا وظيفة لها سوى حمايته، وسقوط هذه الحكومة في نظر “الحزب” وحلفائه، هو دخول في مرحلة لا يريد الحزب الاقتراب منها، اي بدء الاصلاح وضرب نظام المحاصصة والفساد الذي يحتمي به.
سلاح المقاومة لم يكن هو من جمع المحتجين في ساحة الشهداء، لكن مطلب الدولة وتطبيق القانون كان جوهر التحرك، فيما كشف يوم السادس من حزيران هذا السلاح، في وظيفته الفعلية التي باتت تحول دون التغيير، ويمنع ضبط الحدود، ويدير مجموعات لا وظيفة لها الا استدعاء الفتنة من عين الرمانة الى الطريق الجديدة.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا