لبنان يدخل دوّامة جديدة: الصراع الأميركي الإيراني في الشارع

بانتظار فرض عقوبات أميركية جديدة على مؤسسات وأسماء لبنانية

8 يونيو 2020
لبنان يدخل دوّامة جديدة: الصراع الأميركي الإيراني في الشارع
منير الربيع
منير الربيع

مشهد الفوضى الذي كان متعمّداً في بيروت، لن يكون الأخير. ولن يكون يتيماً. ستكون الساحة اللبنانية على مواعيد كثيرة مع تحركات مشابهة، تختلط فيها عناوين المتظاهرين والمحتجين. إنها صورة ثانية يريد لها البعض أن تكون مكملة لـ17 تشرين، بينما آخرون يريدون لها أن تكون مختلفة عنها، وتسهم في وأدها.

هؤلاء ينقسمون إلى قسمين، قسم من صلب المتظاهرين، الذين يريدون تحقيق شرخ واسع بين صفوف المجموعات التي تطالب بالتغيير، وتعترض على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.. ومجموعات أخرى لديها أولويات مختلفة، على رأسها سلاح حزب الله، وتطبيق القرار 1559، والقرار 1701. وستكون متزامنة مع تشديد العقوبات على النظام السوري وحلفائه، بموجب “قانون قيصر” وسائر العقوبات السابقة.

من بيروت ودمشق إلى شرق الفرات
لكن أيضاً، بين القوى السياسية من يريد الاستثمار بهذه الشعارات المتضاربة، من أجل إجهاض التحركات، وتفريق المجموعات المتظاهرة، على قاعدة شدّ العصب الطائفي والمذهبي.

وهو الكفيل الوحيد في إعادة انتاج السلطة الشعبية التي فقدتها هذه القوى، أو استشعرت الخطر في إمكانية فقدانها.

ما جرى مساء السبت من استنفار مذهبي، سيتكرر على ما يبدو تباعاً، وليس بالضرورة بشكل متواصل. الأكيد أن ثمة دوامة جديدة قد دخلها لبنان وسيستمر بالدخول إليها، تزامناً مع استمرار الانهيار المالي والاقتصادي، وبانتظار فرض عقوبات أميركية جديدة على مؤسسات وأسماء لبنانية.

المشهد التصعيدي في بيروت، تقابله تطورات كثيرة في دمشق، اقتصادية، سياسية وعسكرية، مع توسيع إسرائيل لنطاق عملياتها باتجاه الشمال السوري والشرق السوري، وصولاً إلى الأراضي العراقية حيث تستهدف المسيرات الإسرائيلية قواعد ومواقع لحزب الله والإيرانيين وحلفائهم على طرفي الحدود، تحت عنوان إسرائيلي ثمة من يشير إلى تلاقيه مع الروس والأميركيين، لدفع إيران إلى الإنسحاب إلى ما بعد شرق الفرات. ما يعني أن توترات كثيرة ستبرز على الطريق في الأيام المقبلة.

“التيار” و”الحزب”
لبنانياً، لن يقتصر الضغط الأميركي على بعض الإجراءات والعقوبات، والشروط القاسية المفروضة على الدولة اللبنانية للحصول على مساعدات.

إهذه الضغوط ستنعكس في الشارع، وفي اللعبة السياسية.

خصوصاً من خلال الضرب على وتر العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، التي مرّت بالكثير من سوء التفاهم في الآونة الأخيرة، وسط أحاديث كثيرة عن مساع باسيلية لتقديم أوراق اعتماد لواشنطن، التي لا تتوانى عن التهديد اليومي بالعقوبات عليه أو على مسيحيين آخرين.

لا يعني ذلك أن الشقاق بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله سيقع.

الطرفان بأمس الحاجة إلى بعضهما البعض.

فمثلاً مشهد التوتر بين الشياح وعين الرمانة، وما يمثله من بروز للقوات اللبنانية على الأرض في مواجهة حزب الله، سيحرج باسيل مسيحياً.

لذلك، هو سيبقى بحاجة إلى الحزب كقوة حليفة وأساسية، طالما أن منطق الصراع على الساحة المسيحية هو من يكون صاحب الشرعية الأكبر.

أكثر ما يضرّ باسيل، هو رفع شعارات في الساحة المسيحية ترفض سلاح حزب الله، ووجود قوى مدنية أو حزبية أخرى تمسك بالأرض منذ 17 تشرين إلى اليوم، سواء في عين الرمانة أو في الدورة والذوق والمتن وجونية وجبيل والبترون.

المصيبة تجمع
شيء مشابه يحصل على الساحة السنية أيضاً، في مواجهة الرئيس سعد الحريري، الذي يجد نفسه مطوق بمجموعات مختلفة نزلت إلى الشوارع في 17 تشرين للمطالبة باستقالة الحكومة التي يترأسها.

وتستمر اليوم للمطالبة بنزع سلاح حزب الله، واتهامه بالتخاذل عن مواجهة الحزب.

ومن بين هذه المجموعات من هم محسوبون على شقيقه بهاء الحريري، الذي ينشط كثيراً في الآونة الأخيرة بين بيروت وطرابلس وعكار.

إنها المصيبة التي تجمع كل القوى السياسية على اختلافاتها وصراعاتها.

هذه القوى كلها تحاول التنصل من الحكومة، بما فيهم حزب الله، على الرغم من إعلانه دوماً أن لا بديل عنها.

لكن الكواليس تشي بمضمون آخر، يجتمع عليه كثر. وهو أن الحكومة فقدت قدرة وجودها، وهي مستمرة فقط بحكم غياب أي بديل لها.

وعندما يتوفر البديل، ستنحى جانباً. في هذا السياق، تشهد الساحة تحركات سياسية، بين كليمنصو، بيت الوسط، عين التينة، والضاحية الجنوبية.

العنوان الأساسي لهذه التحركات هو لجم التوتر وإرساء ميزان سياسي في لبنان، بدلاً من الإخلال به على النحو السائد منذ سنوات، ونثر بذور التوترات في كل الاتجاهات.

مهمة برّي
ليس بالضرورة أن يؤدي هذا التنسيق إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة الحريري مثلاً، لكن الأساس هو استعادة التوازن السياسي في البلد.

الأكيد، أن حزب الله يعلم ما هو آت من صعاب على لبنان، وستنعكس على الوضع السياسي والشعبي والاجتماعي.

الضغوط ستتزايد عليه وعلى إيران، والضربات الإسرائيلية ستتزايد.

في مثل هذه الحالة، يعود الحزب إلى تحصين وضعه في الداخل، تماماً كما رفع عنواناً أساسياً بعد الانتخابات النيابية بأنه يريد الاهتمام بالشأن الداخلي.

لكن بصورة لا تعكس وجود أي خلاف أو تنافس مع الرئيس نبيه برّي.

وحسب ما تكشف المعلومات، فإن التواصل المستمر بين برّي ونصر الله، أفضى إلى تفاهمات على نقاط عديدة، أولها عدم استفزاز السنّة والاستمرار في الصراع معهم.

وهذه مهمة سيؤديها برّي المعروف بأدواره المماثلة، وهو الذي أدى قسطه للعلى بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي.