الحكومة تفرض أرقامها للتفاوض مع صندوق النقد… رياض سلامة: اصطلفوا

9 يونيو 2020
الحكومة تفرض أرقامها للتفاوض مع صندوق النقد… رياض سلامة: اصطلفوا

لا يزال الموضوع المالي يشكل مادة للتخبط داخل الحكومة بالتوازي مع الجلسات التي يعقدها الوفد اللبناني مع صندوق النقد الدولي. وسعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى تويحد الارقام ما بين الوفد الحكومة ووفد المصرف المركزي. وللغاية، ترأس الرئيس عون بعد ظهر أمس اجتماعاً في قصربعبدا، بحضور الرئيس حسان دياب ضم وزير المالية غازي وزني، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير، المدير العام للمالية الان بيفاني والمستشارين: شربل قرداحي وجورج شلهوب وهنري شاوول وطلال سلمان، واستكمل البحث في ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وتم خلال الاجتماع التداول بالارقام المتعلقة بالقطاع المالي والمصرفي. وتوافق المجتمعون على ان تكون الارقام الواردة في خطة الحكومة الاصلاحية المالية، منطلقا صالحا لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وفقاً للبيان الصادر عن قصر بعبدا.

الى ذلك، عقد الوفد المفاوض اللبناني برئاسة وزير المالية غازي وزني اجتماعه الحادي عشر مع صندوق النقد الدولي بحضور فريق من البنك المركزي. وتناول الاجتماع موضوع إطار تطبيق القواعد في المالية العامة، على أن تتابع المشاورات اليوم.

الحكومة تعتمد أرقامها
الاّ أن من يقرأ بيان اجتماع الأمس في القصر الجمهوري يحسب أنّ “الطبخة المالية استوت” وحان وقت مقاربتها بشكل علمي يُطلق قطار المفاوضات مع صندوق النقد، لكن من يتمعّن في مفردات هذا البيان ويغوص في خلاصاته سرعان ما يدرك أنها لم تخرج من مربع عناد الحكومة وإصرارها على فرض خطتها على الطاولة وإرغام المصرف المركزي والمصارف على الانصياع لها. فبخلاف ما أشاعه القيّمون على الاجتماع المالي أمس من أجواء إعلامية توحي بالتوصل إلى “منطلق صالح” للأرقام، فإنّ المعلومات المستقاة من مجرياته تشي بأن الاجتماع أسهم في تأزيم الأمور وتعميق الهوة أكثر بين الحكومة والقطاع المصرفي، بعدما انتهى، وفق مصادر مالية، إلى محاولة فرض “أمر واقع” يطيح بكل الملاحظات والمشاورات والاجتماعات التي حصلت وزارياً ونيابياً ومصرفياً في سبيل توحيد الأرقام، معربةً لـ”نداء الوطن” عن أسفها لكون “الحسابات السياسية غلبت الحسابات المالية في نهاية المطاف”، وسألت: “بعد شهرين من الاجتماعات وبذل الجهود لتحقيق التقارب بين الحكومة والمصرف المركزي والمصارف، هل يجوز أن تأتي مجموعة مستشارين لترمي بكل التقدم الذي حصل في البحر؟ وهل التعاطي المسؤول يكون بالانسياق وراء خطة تريد من خلالها الحكومة تصفية الدين حتى العام 2050؟”، لتجيب: “خطة الحكومة ستؤدي للأسف إلى “فرط” الدولة وليس إنقاذها”.
وكشفت مصادر مطلعة لـ”اللواء” ان الرئيس عون كان مصرا على توحيد الرقم لأن التفاوض مع الصندوق بأرقام مختلفة وبتوصيفات وخسائر مختلفة يضعف الموقف اللبناني كما ان صندوق النقد قد يستخدم ذلك حجة لفرض خلاصات او اجراءات معينه ولذلك كان تأكيد رئيس الجمهورية على ضرورة الاتفاق على رقم معين، وهو الرقم الذي حدّد في الخطة المالية، أي 122 ألف مليار ليرة.

وكشفت مصادر مواكبة لاجتماع بعبدا المالي النقاب عن انه لم يحصل اي نقاش تفصيلي حول التباين والاختلاف والفوارق الكبيرة بين خطة الإنقاذ الحكومية وبين ما تضمنته رؤية وتوجهات المصرف المركزي وجمعية المصارف لمعالجة الازمة المالية التي يواجهها لبنان حاليا.

وقالت: لم يحصل اي اتفاق لتوحيد الرؤية او تعديل بعض البنود الواردة في الخطة، بل بقي كل طرف على موقفه لاسيما وإن الكلام كان عموميا ولم تصدر أي مواقف جديدة وازاء استمرار الخلافات وتشبث كل طرف بمواقفه، تم التفاهم على ان تكون خطة الحكومة منطلقا صالحا لاستكمال الحوار مع صندوق النقد الدولي، وهذا يعني في خلاصة الامر فشل المساعي المبذولة لتوحيد الموقف الرسمي والحكومي في المفاوضات مع الصندوق، في حين ان اجتماع بعبدا لن يقدم او يؤخر باي تعديل او ملاحظات باعتبار ان الخطة تناقش حاليا باللجنة الفرعية بالمجلس النيابي تمهيدا لإدخال التعديلات اللازمة عليها في ضوء رؤية المصرف المركزي وجمعية المصارف المختلفة عنها.

وعلمت “النهار” أن ما أعلن من حصيلة للاجتماع عاكس ما كان واقعياً مخرجاً شكلياً لنتائج الاجتماعين اللذين انعقدا في بعبدا واللذين لم يتوصل المشاركون فيهما الى توحيد الأرقام المالية. وأفادت المعلومات أن الأسباب التي تحول دون الاتفاق عليها من حيث المبدأ تتصل بإعادة هيكلة الدين، ذلك أن الأرقام المتعلقة به تخضع، للتعديل والتغيير بحسب المفاوضات بين الحكومة والدائنين في الخارج وفي الداخل علماً أن اختلافات واسعة للغاية تقوم بين الجهات المعنية حول حجم القروض المتعثرة وهي خلافات تتمظهر بقوة بين خطة الحكومة وأرقام مصرف لبنان وورقة جمعية المصارف. لذا فإن النظرة غير إيجابية من جانب صندوق النقد الدولي حين يكون هناك تباين هائل في أرقام الجانب اللبناني مما يضعف موقفه التفاوضي. بيد أنه ما أن انتهى الاجتماع وصدر البيان الرسمي، حتى تبيّن أن ما ورد فيه من حيث اعتماد الأرقام الواردة في خطة الحكومة منطلقاً واضحاً لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لم يكن مطابقاً لما اتفق عليه بدقة من أن خطة الحكومة لا أرقامها هي المنطلق للمفاوضات، علماً أن حاكم مصرف لبنان ظل متحفظاً عن ارقام الحكومة.

احتدام النقاش
وعن سياق النقاشات التي جرت، أفيد بأنّ الرباعي الاستشاري المقرب من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل (شربل قرداحي، آلان بيفاني، هنري شاوول وجورج شلهوب)، كان من أشد المدافعين عن خطة الحكومة التي أقرت بأرقام “لازارد” وحددت حجم الخسائر الإجمالي بـ241 تريليون ليرة (خسائر مصرف لبنان 77 تريليون ليرة وخسائر المصارف 64 تريليون ليرة مع احتساب سعر صرف الدولار 3500 ليرة)، بينما نقلت مصادر المجتمعين لـ”نداء الوطن” أنّ ما برز خلال اجتماع قصر بعبدا الذي لم يدم أكثر من نصف ساعة فعلياً، هو تقديم حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ورقة اعتراض تُفنّد كل رقم وانعكاساته، محذراً بالقول: إذا اعتمدنا ورقة الحكومة “رايحين ع كارثة”، قبل أن يحرص على تسجيل اعتراضه هذا خطياً بكتاب ممهور من مصرف لبنان، فدافع الرئيس ميشال عون عن الخطة الحكومية معتبراً أنها لا تمس بالمودعين غير أنّ سلامة أكد له العكس. وعندما اقترح رئيس الحكومة حسان دياب أن يتم السير بأقرب أرقام يقبل بها صندوق النقد الدولي قيل له إنّ ذلك يرهن لبنان للصندوق فاقترح تركيب جملة “انطلاقة للتفاوض” وكان تعليق سلامة: “اصطفلوا”. ولما طلب وزير المالية غازي وزني مهلة 48 ساعة لمتابعة العمل على الأرقام، تم رفض طلبه وكان الجواب أنّ “متابعة العمل على الأرقام يجب ألّا يؤخر القرار”.

لجنة المال تواكب
وإذ أكدت مصادر نيابية لـ”نداء الوطن” أنّ اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة المال والموازنة ستعقد اجتماعاً جديداً الخميس بحضور كل الأطراف المشاركة فيها لاستكمال البحث المالي في ضوء ما خرج به اجتماع بعبدا، يجزم مرجع نيابي لـ”نداء الوطن” بأنّ خطة الحكومة “لن تمر في مجلس النواب” معتبراً أنها مجرد “عملية تركيب جمل إنشائية”، واستطرد متهكّماً: “يبدو أننا سنطلب وساطة صندوق النقد بين المجلس والحكومة”.